Back to Lectures

لبنان والنَّازحون واللَّاجئون: التحدّيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والأمنيّة نحو استراتيجيّة وطنيّة شامِلة

2016-03-31

كلمة الرئيس أمين الجميّـــل
في إفتتاح مؤتمر:
لبنان والنَّازحون واللَّاجئون:
التحدّيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والأمنيّة
نحو استراتيجيّة وطنيّة شامِلة
* * * *
أهلاً وسهلاً بكم في "بيت المستقبل"، أهلاً وسهلاً بكم الى هذه الورشة الفكريّة، لبنانيين وعرباً وأجانب، رسميين وباحثين وأكاديميين، لنفكّر معاً في سبل معالجة قضية النازحين/ اللاجئين من سوريا الى لبنان، وهي أسوأ ازمة منذ الإبادة الجماعية في روندا قبل عشرين عاماً، وهي ورشة تحتاج لفكركم وخبرتكم ومهاراتكم.
هذه سمة دائمة لبيت المستقبل الذي درج منذ تأسيسه الاول في العام1977، وبعد تأسيسه الثاني في العام 2014، على طرح القضايا الساخنة والمعاصرة بغرض مقاربة منطلقاتها وواقعها، واستخلاص العبر والنتائج والحلول المفترضة.
السيدات والسادة،
لا شك ان معاناة الشعب السوري جراء الكوارث والمآسي التي تشهدها البلاد منذ خمس سنوات ولا تزال، رغم الهدنة ورعايتها الدولية، تشكل واحدة من أسوأ الكوارث في العالم، بل هي نوع من النكبة تذكرّ بالحرب اللبنانية التي استمرت عقدين من الزمن.
ولا شك انه لا يصحّ انسانياً واخلاقياً وعربياً الا ان ينبري لبنان منفتحاً، متضامناً، حاضناً، مقدماً كل امكاناته، قلباً وقالباً للتخفيف من حدة المأساة ووطأة الازمة، خاصة وان لبنان صاحب تجربة في هذا المجال، مذ تحول البلد، ليس وطناً بديلاً، هذا لم يكن يوماً ولن يكون، بل مذ تحول بيتاً دافئاً يؤوي الاخوة الفلسطينيين منذ النكبة. وكانت النتيجة تداعيات كادت لتكون وجودية من خلال توريط لبنان بمشاكل الكبار وحساباتهم ومصالحهم، فصارت اللعبة أكبر من اللبنانيين والفلسطينيين، وتحول بلدنا ساحة اقليمية تتصارع فوقها دول القرار ولوبيات النفوذ. وتلقى لبنان جراء ذلك ضربات موجعة على المستويات السيادية والامنية والانمائية والمعيشية.
بل كانت ثورات على الداخل وفي الداخل لامست خط الاحتلال وخاطبت الوطن البديل. ولم يخرج لبنان من هذه التجربة الا منهكاً، ودفع ثمن ضيافته وأخوّته وضعف سلطته مرسوم تجنيس شكلّ بدلاً عن ضائع للتوطين، وأدى الى تغيير كبير في ديموغرافية سكانه.
هل التاريخ يعيد نفسه؟
لا شيء يضمن عودة الأخوة السوريين الى بلدهم.
من يقول أن الوضع سيستقر غداً أو بعد غد؟
ان التجربة الفلسطينية توجب على لبنان الدولة ان يتعامل مع التجربة السورية بانفتاح، لكن بكثير من الحذر، وفق برنامج واضح المعالم يقوم على ما يلي:
اولاً: حسن الضيافة وتأمين سبل العيش الكريم واللائق للنازحين، وهذا يحتمَ أن تبقى الدولة دولة في كل القضايا، لا سيّما السيادية والسياسية والامنية وفي كل قضية تمسّ حقوق اللبنانيين.
ورغم أن لبنان ليس طرفاً في اتفاقية ١٩٥١ الخاصة بوضع اللاجئين، الا أنه شريك في التضامن الدولي ازاء المآسي. وهذه الاتفاقية تعترف بالنطاق الدولي لأزمات اللاجئين، وضرورة توافر تعاون دولي، بما فى ذلك اقتسام الأعباء بين الدول، من أجل معالجة المشكلة.
ومع امتداد فترة النزوح واستنزاف المدخرات الشخصية والامكانات الرسمية والدولية، سيصاب الوضع بضعفين: سيصبح اللاجئون اكثر ضعفاً على المستويين الاقتصادي والمعيشي،
وستصبح الدول المضيفة أقل قدرة على القيام بالخدمات الاساسية للمجتمع الضيف. وهنا يلحظ التقرير المعد من قبل الدولة اللبنانية والبنك الدولي أن الآثار السلبية على لبنان خلال الفترة ما بين عامي 2012 و2014 نتيجة النزاع في سوريا هي حوالي:
• 7.5 مليار د.أ خسارة في الارباح،
• انخفاض في تحصيل الايرادات الحكومية بنسبة 1.6 مليار د.
• ارتفاع انفاق الدولة بنسبة 1.2 مليار د. لتغطية الطلب على الخدمات العامة.
• ارتفاع البطالة إلى 14% نتيجة تدفق العمالة السورية.
• إحصاء نحو ٧٠٪‏ من اللاجئين السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر المحدد ب٣.٨٤ دولاراً في اليوم.
ثانياً: تفعيل التدابير التقييدية التي اتخذها مجلس الوزراء بغرض ضبط الاعداد وتنقية اللاجىء الفعلي من اللاجىء الصوري، وبالتالي فرز اللاجىء الحقيقي عن الفئة المموهة التي تفتقر الى معايير واقع اللجوء، خاصة وأن أحد أسباب الانعكاسات الاقتصادية السيئة توزّع 17% فقط من اللاجئين على المخيمات العشوائية، بينما ينتشر الباقون على الأراضي اللبنانية بشكل استنسابي.
وهنا لا بد من الاشارة الى الورقة التي أعدّتها وزارة الشؤون وأقرها مجلس الوزراء وهي تلحظ شرطين لتوفر صفة اللجوء هما:
أن تكون حياة اللاجىء في خطر وأن يكون من مناطق محاذية للبنان (من يسكن في مناطق قريبة للحدود التركية، يجدر به اللجوء الى تركيا، وكذلك بالنسبة إلى المناطق القريبة من الأردن، علماً أن 20% من اللاجئين أتوا من حلب البعيدة جداً عن الحدود اللبنانية).
ثالثاً: يجب ان يترقب لبنان مشكلة مستقبلية ناتجة عن عنصرين أساسيين: وجود آلاف النازحين المسجلين في لبنان من عديمي الجنسية، وحصول ولادات جديدة غير موثقة. وفي مسح اجرته المفوضية العليا للاجئين وشمل أكثر من ستة آلاف مولوداً سورياً جديداً على الاراضي اللبنانية، ثبت ان ٧٢٪‏ منهم لا يحملون شهادة ولادة رسمية، مما يطرح مشكلة الاعتراف بهم من قبل السلطات السورية ويعزز بقاءهم في الارض التي ولدوا فيها.
وتجدر الإشارة هنا الى إنعكاس ما تسرّب من معلومات عن حرق وتاف من سجلاّت الأحوال الشخصيّة والدوائر العقاريّة في بعض المناطق السوريّة.
رابعاً: ضبط الحدود مع الخارج وضبط الوجود في الداخل بما يحفظ الامن والاستقرار، ويضمن حق الدولة على اقليمها، وحقوق اللبنانيين على كل الصعد.
خامساً: التعامل مع قضية النازحين الانسانية كواقع موقت وليس كأمر واقع دائم، ووضع الآليات التي تؤمنّ عودتهم الى ديارهم فور استتباب الامن جزئياً لا شمولياً، فالنزوح يصبح دون موضوع ودون سبب اذا ما استقرت منطقة وخلت من الاضطرابات ناحية من أرض سوريا الشاسعة، وهذا قرار لا خيار.
نعم، اذا كانت الدول المضيفة مسؤولة في توفير الحماية للاشخاص الذين يفرون من الاضطهاد في بلدانهم، الا ان الاشكالية تنهض من الجهة الصالحة لتقدير فرص العودة وظروفها.
السيدات والسادة،
ان هذه المروحة من سياسة الدولة تتطلب سلطة قوية، وهذه السطة لا يمكن البحث عنها بغياب رئيس الجمهورية، القادر بحكم موقعه الدستوري على اجراء حوار جدي ومسؤول مع قيادات المجتمع الدولي انقاذاً للبنانيين وللسوريين ايضاً.
وهنا يجدر التساؤل: هل من أسباب تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية هي إبقاء البلاد من دون محاور رسمي مأزون يدافع عن حقوق البلاد، وبالتالي يسمح بالعبث بالحق اللبناني، وتسهيل تمدد وتأقلم النازحين، من دون حسيب أو رقيب، تمهيداً للتوطين؟
ومن الواضح أن الجهات الدولية العاملة في لبنان "آخذة راحتها" بسبب فقدان القيادة العليا للبلاد.
ان هذا الرئيس القادر من شأنه أن ينقل لبنان من حالة الفراغ والتعطيل وانحلال المؤسسات، الى حالة دولة طبيعية قادرة على اتخاذ القرارات وحماية تنفيذها، وعلى منع التوطين، الفلسطيني والسوري، والعمل على تأمين حق العودة.
كما ان على المجتمع الدولي مسؤولية أساسية في رفد لبنان بالمساعدات، ليبقى قادراً في الامن وفي الانماء، والا سيتحول في غفلة من الزمن الى قلعة للارهاب، ومصدراً لتيارات تكفيرية عابرة للمناطق والحدود. واذا كان وقف الهجرة غير الشرعية مفيداً لاوروبا والغرب، الا ان هذا التصرف الجهوي يعالج جزءاً من المشكلة، ويبقي الصاعق ممكن التشغيل في أي لحظة.
السيدات والسادة،
لا يستطيع لبنان ان يتعامل مع ملف اللاجئين، سواء الفلسطينيين او السوريين، الا ببعد انساني، لا سياسي، وبعقلية الضيافة لا الاستثمار أو المتاجرة، لأن التعامل السياسي مستحيل بسبب دقة الوضع في لبنان المقسوم عامودياً بين اصطفافين،
ولأن التعامل الاجتماعي- الاقتصادي صعب بسبب هشاشة هيكل البنى التحتية في لبنان، من الماء والكهرباء والصحة والتربية، الى البنية المالية.
لكل هذه الأسباب الآنفة،
ولأسباب تتعلق بخصوصية لبنان السياسية، والطائفية- المذهبية، والامنية، والبنيوية، والاقتصادية- الاجتماعية،
ولوجوب تحرير لبنان من كثافة اللجوء التي تفوق قدراته وقد تتحول الى عامل تفجير ومصدر ارهاب،
ولارتفاع حالات الجرائم الفردية التي يعود بعضها الى بيئة اللجوء وطبيعة عيشها المفتقرة الى الحد الادنى من الرعايتين الامنية والحياتية،
ولارتفاع نسبة البطالة وايضاً الهجرة لدى اللبنانيين،
بسبب كل ذلك،
يقتضي اعادة النظر بالمنظومة القانونية الخاصة باللجوء على المستوى اللبناني والدولي، بحيث يصار الى اعتماد نظام ينهض على العناصر التالية:
١ . تحميل المجتمع الدولي كلفة النزوح، ومدّ الدولة المضيفة بالتمويل اللازم لتأمين الحد الادنى لعيش لائق للمهجر، وفق آلية نافذة على أصلها دون حاجة الى مؤتمرات لحشد أصدقاء الدولة المضيفة وتسييل التبرعات.
٢ . إستنفار دولي لمعالجة اسباب النزوح في دولة المنشأ، وتأمين حق، لا بل واجب العودة للنازح الى بلاده.
٣ . في حال الاخفاق، وضع خطة لتوزيع اللاجئين على الدول القادرة على استضافتهم سكانياً واقتصادياً، بمعنى توسيع مدى استقبال اللاجئين في الجغرافيا والاقتصاد، بدل أن يكون محصوراً في الدول المجاورة لدولة المنشأ.
هذا التدبير العادل، يخفّف من الأعباء التي يتكبّدها لبنان، كما بعض الدول الأوروبيّة وغيرها.
إنها مسؤوليتنا جميعاً، فلنعمل جدياً وسريعاً لتدارك المفاعيل الكارثية لهذه الأزمة.
السيدات و السادة،
الوضع في غاية الدقة، اربعة ملايين لبناني على أرض لبنان ومليونان وثلاث مئة الف لاجىء فلسطيني وسوري.
يكفي هذا المشهد وهو أوفى تعبير وأصدق تقرير.
نحن أمام لحظة تاريخيّة، لحظة التحولات الدراماتيكية في أي إتجاه!
إنها قنبلة موقوتة، يمكن أن تفجر في أي لحظة.
تنفجر بوجه الجميع، لبناني أو عربي أو أجنبي. في عصر العولمة، نعيش جميعنا في قرية واحدة!
المسؤولية هي كونيّة.
على الصعيد اللبناني، هناك ضرورة لرصّ الصفوف، لتقوية الجيش اللبناني وقوى الأمن، لتعزيز وتضامن كل قوى الإعتدال، تفعيل المؤسسات الدستورية والقانونيّة والإداريّة – بالطبع، بدءاً بانتخاب الرئيس بالأمس قبل اليوم – هنالك ورشة كبيرة تنتظرنا بالكامل، مع ورش أخرى على أكثر من صعيد.
المطلوب ، جهدٌ جماعي يحفظ مجتمعاتنا، والإنسان.
شكـــــــراً