Back to Lectures

"الأمن في خضم الانحلال"

2018-05-25

كلمة الرئيس أمين الجميّـل
في إفتتاح المؤتمر السنوي بعنوان: "الأمن في خضم الانحلال"
بيت المستقبل، في 25 أيّــــار 2018
* * * *

أهلاً وسهلاً بكم في "بيت المستقبل" في بكفيا نجري معاً كما كل عام مسحاً واقعيّاً لشؤونِ المنطقة وشجونِها،
اهلاً بكم الاصدقاء المقيمين كما الاصدقاء الوافدين من كل أنحاء العالم لاستشراف آفاق المرحلة المقبلة بكل آلامها وآمالها.
أهلاً بدولة الرئيس فؤاد السنيورة صاحب الباع الوطني الطويل، والممارسة السياسية الراسخة.
ندوتنا هي بالشراكة مع مؤسسة كونراد اديناور، وجامعة تافت الاميركية (مركز عصام فارس)، وجامعة كيبك في مونتريال (مركز Raoul Dandurandراوول داندوران) وبلدية بكفيا – المحيدثة.
****
نلتقي كما درجت العادةُ في هذه المساحة، مساحةُ الحوارِ الحرِّ المجرّدِ التي يُجّسدُها "بيت المستقبل". نمارسُ التمرينَ الذهني حول المسائلَ المعاصرة المتواجدة على هذا الصفيح الساخن الذي استقطب قوى اقليميةً ودوليةً تنازعت فيه وعليه.
منذ عامين، عالج مؤتمرُنا السنويُّ أمرَ "النظام الجديد للشرق الأوسط بعد مئة عام على اتفاقية سايكس - بيكو" التي زُعِم، في حينه، انها تقيم نظاماً عادلاً وآمناً في المنطقة.
والعام الماضي، ناقشنا "التدخلات الخارجية ومنظومة الدول في الشرق العربي": "التحديات، الاصطفافات، التوقعات"، وخلص المؤتمر الى التحذير من الطموحات الفاجرة التي تلامس حدّ الاطماع.
واليوم، نلتقي في خضمِّ حالة الانحلال التي طالت أكثر من صعيد وتأثيرات هذا التفكك على أمن المنطقة واستقرارها، وكأن التغيير الذي يطال عالمنا العربي من عام الى عام، من عقد الى عقد، يسير متدهوراً من السيء الى الأسوأ:
-نزاعاتٌ تحولت الى معارك عبثية وانتحارية دمرّت البشر والحجر.
-نزاعاتٌ سياسيةٌ في الاقليم، لم توفّر أي جانب من حياة المجتمع، ولم تقتصر على النزاعات السياسية بين الانظمة، بل استهدفت بشكل اساسي المجتمع والانسان في وجوده وحرياته وسلامته ورفاهيته. فكانت نزاعاتٌ سياسيةٌ وإقليميةٌ: عربيةٌ عربية، وعربيةٌ ايرانية، وعربيةٌ اسرائيلية، واسرائيليةٌ ايرانية، ودوليّةٌ إقليميّة.
****
إزاءَ هذا الواقع المتفلّت، وضع الكبار إقليمياً ودولياً يدَهم على جزءٍ من المشكلة، وتورّطوا فيها، وانغمسوا في رمالِ الارضِ المتحرّكة، فحضروا عدداً وعتاداً، براً وبحراً وجواً، ومخابرتياً، بحِجّة المساهمة في الحل. أمّا في الواقع، تفاقم الوضع من مشكلة الى أزمة بدل أن ينحو الى برّ الأمان. فكانت:
• صواريخٌ روسيةٌ على مواقعِ المعارضة السورية.
• صواريخٌ اميركيةٌ على مواقعِ النظام المشبوهة.
• صواريخٌ اسرائيليةٌ على مواقعِ ايرانية في سوريا.
• صواريخٌ ايرانيةٌ حيث تدعو الحاجة.
• صواريخٌ بالستيةٌ من اليمن على السعودية.
• اسلحةٌ كيماويةٌ سوريةٌ على المدنيين.
• غاراتٌ اسرائيليةٌ على غزة بحِجَة حمايةِ القدس. يضاف الى هذا المشهد المأزوم، تداعياتُ القرار الاميركي بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس وما يُمثّلُ هذا الاجراء من تحدٍّ للمشاعر الفلسطينية والعربية، المسيحية والاسلامية.

****
كل هذا التصعيد هل ينتهي وكيف؟
• هل ينتهي على طريقة "إشتدّي يا أزمة تنفرجي"؟ أم ينتهي على طريقة لا غالب ولا مغلوب؟ أو تبويس لحى وعفى الله عما مضى؟ لكن مهلاً، ماذا عن مئات ألوف الضحايا؟ ومشاعر الناس؟ وطموحات الشعوب؟ ما هو جدوى كل هذا الخراب والدمار؟ وهل المطلوب تجهيلُ الفاعلِ وتبديد المسؤوليات؟
• هل نحن امام أزمةٍ مفتوحة، وأمنٍ مفقود، وانحلالٍ سياسي، وتفكُكٍ جغرافي-ديموغرافي؟
• وهل نحن أمام إنفجارٍ أم إنفراجٍ؟ وهل الانفراجُ يحصلُ بقوةِ السلاح أم بفعلِ الدبلوماسية؟
• أي جهةٌ دوليةٌ ستبادر لإرساءِ أمنِ المنطقة الذي يجب أن يقوم على الحق والعدل وطمأنينة الشعوب؟ ودون هذه الثلاثية، لا أمنٌ على الاطلاق، أو أمنٌ هشٌ ومستعارٌ لا يدوم!
• وهل ثمة جهةٌ دوليةٌ جاهزةٌ أو قادرةٌ على فرض السلامِ الحقيقي القائم على الحق والعدل والطمأنينة؟ أمّا الخشيةُ هي من سلامٍ مزعوم من نوعٍ آخر؟
فالسلامُ بقوةِ السلاحِ على حساب الحقِ والعدلِ هو إستسلامٌ للقدر. السلامُ بالمدفعِ هو تسليمٌ بالأمرِ الواقع، فإمّا قبولٌ ورضوخٌ وإما هجرةٌ قسريةٌ، وهذا لا يؤسّس لاستقرار دائم. لا بل على العكس.
إن الادعاءَ بهذا النوعِ من السلامِ هو على طريقةِ انتصارات القيصر، التي قيلَ فيها "إنه فَرَضَ الصمتَ وادعى انه السلامُ"؟
« Il a imposé le silence et il a appelé ceci la paix »
في المنطقة بدءاً من لبنان، بقدرِ ما ننجحُ في بناء السلام المسند إلى الحق والعدل والطمأنينة، بقدر ما سيكون هذا المنتَجُ صالحاً لإرساءِ الأمنِ والسلامِ المنشودين لصالح الأمم والشعوب. ولا أمنَ دائمٌ ولا استقرارَ ثابتٌ ولا سلامَ حقيقيٌ إلا على أساسِ ثلاثيةِ الحق والعدل والطمأنينة.
وفي لبنان، الرهان اليوم هو على تثبيت الإنجازات السياسية على علاّتِها، بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية رغم فضيحة الفراغ ومدلولاتها،
ثم إجراء الانتخابات النيابية رغم ثغرات القانون وبعض التجاوزات.
كما تثبيت للأمن والاستقرار النسبي السائد على معظم الأراضي اللبنانبة. يبقى علينا التركيز على إقامة حوكمة رشيدة تعالج مشاكلنا البنيوية، وتضع حدّاً للفساد والهدر في مفاصل الدولة. وأن يترافق كل ذلك مع تحقيق السيادة الكاملة غير المجتزأة وغير المنقوصة على كل التراب الوطني، سيادة وفق منطق القانون الدولي والدستور اللبناني والميثاق الوطني!
ولا بدّ هنا من التوقف عند المبادرات الدولية المشكورة للبنان لما تؤمنّه من مظلةٍ حاميةٍ سياسياً وأمنياً ومالياً، إلا ان هذه المبادرات تبقى قاصرةً ما لم تُحصن بمنظومةٍ اجرائيةٍ قوامها سيادة القانون وحصرية السلاح وتحييد لبنان عن حرائق الجوار، وإلا عبثاً البناءُ على رمالٍ متحركة. وكلنا يذكر بأسى الإطباق على معالم الإنماء وتدمير البنى التحتية في أكثر من منطقة في لبنان على خلفية حرب تموز ٢٠٠٦.
هل ستنوء الحكومة الجديدة تحت هذا الحمل؟ ام ستنهض به، بالأمن، بالسلام، بالاقتصاد، بالعدالة الاجتماعية، إنطلاقاً من ثلاثية: الحق والعدل والطمأنينة لكل مكونات المجتمع اللبناني؟
على وقع هذه التساؤلات، أضع تحت مجهر السادة المنتدين محاورَ هذا المؤتمر حول "الأمن في خضم الانحلال، تحديات وضمان واستمرارية الترتيبات الأمنية في الشرق الأوسط وسط واقع انحلال النظام الإقليمي وعملية التفكك التي يشهدها".
فلنترك لكم المقاربة، أنتم أهلُ الاختصاص في علم السياسة والديبلوماسية والأبحاث الاكاديمية والجيوسياسية. المطلوب رسمُ خارطة طريق تساهم في إرساء السلام بعد كل هذا المخاض الطويل من العذاب والاضطهاد والتعسف.
إن هذا المؤتمر مؤهلٌ بمن يستضيف من خبراء وباحثين وأكادميين، للبحث في المشكلة الاقليمية من مختلف زواياها:
• لجهة ظاهرة التفتت التي ألمّت بالمنطقة وتداعياتها على انهيار الحدود الوطنية وقيام الميليشيات المذهبية والاثنية والتأسيس لقيام الدول الفاشلة.
• كما لجهة مقاربة الادوار لكل من اللاعبين الاقليميين والدوليين.
إننا ننشد معاً الانتقال من حالة الانحلال المفتوح الى الحل المستدام، ومن التفكك الكياني الى التحقق الوجودي.
إنه الفعلُ الاكاديمي لوقف الانفعال العبثي الانتحاري على كل الصعد في لبنان والمنطقة .
فأهلاً وسهلاً