Back to Lectures

"العبور الى دولة القانون"

2017-03-09

كلمة الرئيس أمين الجميّل
في
افتتاح مؤتمر "العبور الى دولة القانون"
الجامعة اللبنانية – الإدارة المركزية - المتحف
9 آذار 2017
***

لسنا هنا في الجزء الخالي، بل في الكل الملآن من الوطن، حيث لا سياسة ولا تسييس، حيث لا تقاسم ولا محاصصة، حيث لا امتياز ولا تمييز، بل شراكة في الوطن وللوطن. هكذا أفهم الجامعة اللبنانية.
وهكذا أفهم وقوفي على منبر الجامعة اللبنانية اليوم، في ضوء تجربتين:
وطنية من خلال ولايتي الرئاسية،
واكاديمية من خلال تجربة بيت المستقبل.
والتجربة مزدوجة بمرحلتيها:
التأسيس الاول في السبعينات، وانتهت بعملية اغتيال تعرض لها بيت المستقبل، ومن خلالها استهدف الفكر في لبنان في ظل سطوة السلاح.
والتأسيس الثاني في العام .... ، وقد استعاد بيت المستقبل موقعه ونسج علاقات شراكة مع كبرى المؤسسات البحثية والجامعات في العالم، وفي مقدمها مؤسسة كونراد اديناور التي نحيّي مساهماتها الفكرية والانسانية، ونقول لممثلها ..... مرحى بكل تقديمات المؤسسة ودورها في بناء المجتمعات وتعزيز أمنها السياسي والانساني.
واليوم نفتتح فصل شراكة مع الجامعة اللبنانية، جامعة الوطن، كل الوطن،
فتحية للجامعة اللبنانية، الجيش الثاني في الجمهورية، المؤسسة العابرة وعلى علو شاهق، للمناطق والطوائف والمذاهب، لتكرس خدمتين: مقعداً لكل طالب، ونوعية تضاهي الجامعات الخاصة.
فتحيّة مكرّرة لهذه المؤسسة، رئيساً (الدكتور فؤاد ايوب)، ومجلساً، وأساتذة وطلاباً وكادراً وظيفياً.

أيها الاصدقاء.
سأترك "العبور الى الدولة والقانون" موضوعاً للمناقشة على يد السادة المحاضرين، وسأكتفي بتحديد رؤيتي من خلال محورين،
الاول: علاقتي بالجامعة اللبنانية، وهي علاقة وجودية.
الثاني: موقع الجامعة اللبنانية، وهو موقع صدارة وفخر، على الاقل هكذا يفترض ان يكون.

أولاً: علاقتي بالجامعة اللبنانية

إن علاقتي بالجامعة اللبنانية هي علاقة وجودية كما أسلفت وخلال كل المراحل.

فقبل ولايتي الرئاسية، واسمحوا لي ان اصارحكم، كنت حاضناً الفروع الثانية انطلاقاً من فكر ثابت لدي بأهمية اللامركزية الادارية والتربوية المطروحة بقوة الآن بعد أكثر من اربعة عقود. وأشكر ثقة ووفاء رابطة الخريجين في كلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية، جل الديب، لمنحي لقب رئيس فخري لها، ليس لهوى الرئاسة بل ترجمة لهذه العلاقة الخاصة التي ربطتني بالجامعة اللبنانية.
ان امتدادات الجامعة اللبنانية فروعاً في كل المناطق، دليل على وحدة المؤسسة، وغناها، وقدراتها على تلبية الحاجات التربوية والتعليمية لكل لبنان ولجميع اللبنانيين.

وخلال ولايتي الرئاسية،
كانت الجامعة اللبنانية في صلب مشروعي الرئاسي، وقد استطعنا في الثمانينات، رغم العوائق والمناخ الضاغط سياسياً واقتصادياً ومالياً، اطلاق عجلة كليات أفخر انها صارت من ارقى الكليات في لبنان والعالم، عنيت كليات الطب وطب الاسنان والصيدلة والهندسة.

وبعد الرئاسة،
يطل هذا المؤتمر ليشكل بداية تعاون وثيق بين الجامعة اللبنانية وبيت المستقبل، وفاتحة تعاون اوسع على اساس Think Tank وما تفترضه من شراكة بين المؤسسات البحثية لخدمة الفكر والسلام والانسانية.

ثانياً: موقع الجامعة اللبنانية
لا شك في ان للجامعات ولمراكز الابحاث دورها في صناعة القرار، لا اقول السياسي، بل القرار الوطني في الدول، فالاول قرار آني، متقلب، تكتي،
أما الثاني فقرار وجودي، كياني، مستقر واستراتيجي.
أنتم في جامعة الوطن، ونحن في بيت المستقبل، نعمل بهدي المسار الثاني، من هنا كان التفاهم طبيعياً، والشراكة واعدة، والتوأمة خالصة، بين الجامعة اللبنانية وبيت المستقبل، لخدمة البحوث، وتثبيت المكانة الاكاديمية في صناعة القرار الوطني.
ما نهدف اليه هو الانتقال بلبنان من عالم ثالث، من عالم ورائي زبائني تتصدر فيه السياسة ويغيب الفكر،
الى عالم المواطنة، الى عصر الحداثة، الى العصرنة بكل مفرداتها وعناصرها، الى إثبات موقع الجامعة اللبنانية بمن تمثل من كفاءات علمية- نحو خمسة الاف استاذ- وطاقة شبابية علمية، - نحو خمسة وسبعين الف طالب- في الحضور وصناعة السياسات العامة.
نحن في هذا الحراك، نطلب فقط مساحة للجماعات المحايدة، المعتنقة دين العلم، ومذهب الفكر، ليكون لها رأيها في الصناعة الوطنية. هذه مسؤولية هذا التعاون بين الجامعة اللبنانية وبيت المستقبل،
مسؤولية تصالحية لا تصادمية،
مسؤولية تصويبية لا انقلابية،
مسؤولية تكاملية لا نقضية.
من هذا المنطلق، نطمح كلبنانيين لجامعة وطنية، حاضنة الأكثريات في لبنان، تتصف بمعايير عليا، ولا شك ان الرئاسة ومعاونيها، قد وضعت نصب أعينها خطة نهوض بالجامعة اللبنانية تحاكي الحداثة الاكاديمية في كبرى الجامعات في العالم.
أرى الجامعة اللبنانية مؤسسة طليعية في تركيبة الوطن،
مؤسسة علمية لكل لبنان، لكل مناطق لبنان، لكل طوائف لبنان، لكل ناس لبنان.
مؤسسة متعددة الوظائف،
فهي مختبر انساني وعلمي قادر لوحده على إبراز دور لبنان العلمي والثقافي والريادي. فالجامعات لم تعد اليوم مراكز للتعليم ومنح الشهادات فحسب، بل مصنع لتخريج وتوريد الادمغة، وموقع لاستيراد واسترداد الطاقات اللبنانية المنتشرة، كي لا اقول المشتتة، في كل المطارح العلمية في الكون، لدرجة يمكن القول ان في كل جامعة عريقة دماً لبنانياً ينبض في شرايينها، وخريجين من الجامعة اللبنانية، الجامعة الاصل التي تخرّج كوادر للوطن في كل المجالات، في السياسة وفي اللاسياسة.
هذه هي التوأمة المنتجة التي تجعل الجامعة اللبنانية محركاً للعمل الاكاديمي الجماعي، ودافعاً للتحديث والتطوير، ورافعة للمبادرات الصادرة عن العقل اللبناني المنتشر في لبنان والعالم.
نعم، يجب ان تشكل الجامعة اللبنانية بنك الادمغة الذي اقترحه منذ سبعينات القرن الماضي الشيخ موريس الجميّل. أدرك سلفاً ان لا حوافز ستقنع العباقرة اللبنانيين في النازا، او السيليكون فالي، او في شركة رينو- نيسان، بترك الجاه العلمي هناك، والعودة الى نظام التقنين في لبنان، بل على الاقل ان يكون التواصل قائماً ومعززاً، ومن حق لبنان وحق الجامعة الافادة المعنوية والعملية من كل صاحب اختراع وابتكار، ومن كل ابداع لبناني حيثما وجد. وأدعو بالمناسبة، ونحن على مسافة ايام من اقرار الموازنة، الى تعزيز ميزانية الجامعة اللبنانية لتقوم بدورها العلمي والبحثي وتمكينها من المنافسة والارتقاء على سلم الجامعات الكبرى في العالم.
نحن ندعو من على منبر الجامعة، الى اعادة هيكلة الجامعة اللبنانية من خلال محاكاة المتطلبات المحلية والدولية.

ا. إنشاء كلية الطاقة
نحن بحاجة الى معهد متخصص للطاقة ببعديها، النفط والغاز، والطاقة البديلة. ولمناسبة اقرار مراسيم النفط والغاز، أعتقد بل أجزم ان للجامعة اللبنانية دوراً في حماية هذه الثروة الوطنية، وتوفير البنى العلمية لمواكبة هذا الاستثمار الحيوي للبنان، القادر على تغيير اقتصاديات البلد، بدءاً بكتابة اول حرف في دفاتر الشروط واستدراج العروض وتوقيع العقود، الى مسح المخزون وتقدير حجمه، وتوفير الكادر الناظم لهذا العمل. ومن اولى من الجامعة اللبنانية لاضفاء ثقافة الشفافية في كل عمل عام.
٢- إنشاء المعهد العالي للمعلوماتية
نحن بحاجة الى برنامج يشكل وثبة في مجال المعلوماتية، ويمكن الاستعانة بالادمغة اللبنانية في الوطن وخارج الوطن، كفاءات لا شك متوافرة ضمن حرم الجامعة، وفي العقول اللبنانية المنتشرة في كل مكان وزمان، في النازا وفي الESA
في السيليكون فالي في كاليفورنيا، وفي نيسان- رينو في اليابان وفرنسا.
فلتكن صدمة في الكليات ذات الصلة، وبخاصة الكليات التطبيقية التي يقتضي تجهيزها بالبنى المعلوماتية، ومن دونها لا يمكن ان يحلم طلابنا بالامان العلمي ونوعية المعرفة. ومن دونها لا يستطيع لبنان المنافسة، ولا اللحاق في ركب حضارة التكنولوجيا الموازية لسرعة الصوت.
هذه احدى وسائل الحفاظ على شاباتنا وشبابنا من مغريات الهجرة والاستيطان في العالمين القريب والبعيد.
٣- وضع برنامج تعاون مفتوح
ان الجامعة اللبنانية تملك من مؤثرات وقدرات تمكنّها من مخاطبة الغير، جامعات ومراكز ابحاث ودراسات، بنديّة وسواسية، وتنسج علاقات تكامل وتبادل وخبرات وتوثيق آفاق المعرفة والبحث العلمي، ولا شك أن رئاسة الجامعة تضع هذا العنوان في صلب اولوياتها.

يا أهل الجامعة اللبنانية وأصدقاءها،
نكون كما تكون جامعتنا،
او كما تكونون يولى عليكم فكرياً.
جامعتنا مرآتنا،
جامعتنا الجامعة اللبنانية سلطة مستقلة، السلطة الاقوى، هكذا يجب أن تكون، لانها المطرح الوحيد الخالي من الحساسيات التي تعاني منها السلطات الاخرى.
أراها مصدراً وملهماً لكل السلطات، أراها حصانة لا تمتد عليها الايدي، ومناعة لا يقوى عليها الفساد. فقط إحفظوا الجامعة واتركوا السياسة خارج أسوارها،
والسلام.