Back to Lectures

كلمة الرئيس الجميّل في الحفل الثامن عشر لتخريج طلاب الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا

2019-07-13

،

كلمة الرئيس الجميّل في حفل تخريج طلاب الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا
11 تموز 2019
***ا،
تحيّةً للجامعة الاميركية للعلوم والتكنولوجيا، لأصالتها اللبنانية، ورقيها الأكاديمي، ولرسالتها التربوية التي كرستها للبنان وشبابه، للوطن كي ينهض من بين الركام السياسي، ولجيله الصاعد كي يبني على أسس صلبة من المعرفة، والثقافة، والحرية، والحقوق الأساسية.
أشكر ادارة الجامعة وأرى في هذا التكريم حافزاً لمزيد من الخدمة والتواصل والعبور الى لبنان كما يطمح اليه الجيل الصاعد. هذا الجيل المنزه عن كل الملوثات التي فتكت بلبنان الدولة ولبنان السلطة.
أما التهنئة الكبرى النابعة من قلب والد وجد يدرك وجودية هذه اللحظة، فهي لكل أم وأب سهروا وضحوا وعاندوا وكابدوا كي يبلغ فلذات أكبادهم أعلى مراتب العلم والاختصاص. أدرك كم هي كبيرة فرحتكم اليوم. دعوني أشاطركم بعضها.
وأخيراً بالتأكيد، تحيّةً من القلب للطالبات والطلاب المتخرجين: أنتم أصحاب العيد، أنتم الأمل، أنتم الرهان الأول، أنتم خط الدفاع الثابت والأكيد. أنتم جيل لبنان الخارج من حرب وجودية الى حرب من نوع آخر: حرب إثبات وجود لأفرقاء السياسة والمناطق والطوائف، وغالباً على حساب لبنان.
أنتم خريجو الجامعة الاميركية للعلوم والتكنولوجيا، فكونوا فعلاً جيل المعلوماتية، جيل العصر الرقمي، جيل الحداثة، جيل التغيير.

أحبّائي الطلاب،
إنها مسؤوليتُكم، فلا تتنكروا للبنان الماضي، بل بددوا منه الضباب السميك الذي لفّ سيادته وشفافيته، واصنعوا منه لبنان الغد، لبنان الحداثة والعنفوان.
بإبداعكم إبنوه، بأحلامكم إرفعوه، بفكركم اصقلوه سيادةً وحرية وكرامةَ انسان.
إني أفهم هواجسكم، وأتفهم مخاوفكم. فلبنان يتوق لمفهوم الدولة ومنعة مؤسساتها. فالمنطقة برمّتها في واقع مأزوم. هي تغلي، تتألم في صفيح ساخن من الجهل، والفقر والعوز والانكماش .
ولبنان ليس غريباً عن هذا المشهد، هو جزء من كلٍ موجوعٍ ومهدد. الا أنه يناضل بكم أنتم من أجل القيم، من أجل بناء الوطن والانسان.
واذا كانت الدول والشعوب تحارب عادةً من أجل مصالحها، الا ان لبنان يقاوم لأنه حامل رسالة سلام، رسالة العيش الواحد، ومساحة حوار انساني ومقاومة وجدانية وجودية لا حدود لها. وهذا الرهان هو الأصعب والأجدى، فاجعلوه رهانكم وعلة نضالكم.
صدقّوني، لبنان لا يحب الحرب لكنّه يعرف كيف يقاوم للدفاع عن قِيَمه ودوره. نعم أنا أقاوم، اذاً أنا حيّ. فتحية الى كل شهداء لبنان، مهما اختلفت انتماءاتهم وعقائدهم، ومذاهبهم. فالشهيد شهيد شرط أن يكون دمه فدى للبنان وقضيته ورسالته.
أعزائي المتخرجين،
أفهم عليكم رغم فارق العمر. أقدّر ظروفكم، وأتفهم هواجسكم.
فلا هذه الدولة تشبهكم، ولا هذه المؤسسات تلبي طموحاتكم، ولا هذه العدالة تضمن حقوقكم، ولا بعض هذا القضاء يحكم باسم شعبه.
لا ترضخوا للأمر الواقع،
قودوا وساهموا في ورشة دائمة للتغيير والتطوير.
وظفوا جهودكم واستثمروا علمكم في مشروع لبنان الدولة، لبنان الحوكمة الرشيدة، لبنان دولة المواطنة المنفتحة على العالم، لا المنحبسة في لعبة المحاور،
لبنان القضاء العادل المستقل،
لبنان العدالة الانمائية المتوازنة والمستدامة،
لبنان السلام الاجتماعي،
لبنان المؤسسات وأجهزة الرقابة المستقلة .
كلنا مسؤولون، كلنا متضامنون، قولوا لأصحاب الامر: أعيدوا الى مؤسسات الرقابة دورها، لا تحيلوها الى التقاعد المبكر، لا تجعلوها تعمل بالفاتورة وبالتعاقد او على القطعة.
إن أجهزة الرقابة لا يمكن أن تعمل بإذن والا فقدت دورها، ولا يمكن ان تكون من دون استقلالية رقابيتها المسبقة واللاحقة، وإلا انتفت جدوى وظيفتها. ولا يمكن الا ان تنعقد عفواً والا انتفى مبرر وجودها.
هذا حلمكم وهذا حقكم. الحق المطلق بدولة مؤسسات، بدولة راعية، ولا يصح ان يكون الحق وجهة نظر، أو مادة تسوّل أو منتَجَ تسوية. الحق حق مهما كانت مرتبته، فكيف بالحقوق الاساسية، والحقوق الاجتماعية في عدادها.
بالله لا تتركوا مكاناً للاحباط في قاموسكم، لا محل للاستسلام في فكر الطموحين والاصلاحيين مثلكم، لا مكان للهجرة وتسليم الوطن لغير اللبنانيين.
أنتم جيل الثورة من أجل الحرية، فثوروا.
أنتم نخبة الإصلاح من أجل غد أفضل، فأَصْلِحوا.
أنتم قوةٌ هادرة لا تردعها عصا ولا تغريها جزرة، فلا تتراجعوا.
أنتم أكثريةٌ ناطقة بالحق، فلا تصمتوا.
أنتم المتخرجون، قصة نجاح أنتم، لا تفشلوا ولا تسمحوا لأحد أن يفشلّكم أو أن يبدد طموحكم ويلغي دوركم. وما تخرجكم اليوم سوى دليل على ثباتكم وعنادكم واستحقاقكم. عانيتم مشقات السهر والتعب، فآن لكم أن تكونوا اليوم شركاء أساسيين في بناء لبنان: لبنان الوطن، لبنان الدولة، لبنان المؤسسات ولبنان الدور.
لا تدعوا المتضررين وهم كثر، يبددون أحلامكم، وينهون آمالكم، ويفرقون صفوفكم، تارة باسم السياسة، وأخرى باسم الحزب، وطوراً باسم الطائفة والمذهب والحي.
تشبثوا بالحق. احلموا. ثقوا بذاتكم، لا بذواتهم،
ثقوا بقدراتكم أنتم، لا باقتدارهم هُمُ،
عززوا ايمانكم وثبتّوا عزمكم، فأنتم قادرون على تفتيت الصخور ونقل الجبال متى آمنتم وصمّمتم، متحدّين كل الخطوط الحمر، عابرين الحدود المرسومة بحبر السياسة المغرضة والمفسدة بكل تلاوينها الفئوية والطائفية والحزبية الضيقة.
لبنان هو أنتم، يكون بكم كبيراً أو لا يكون.
فكونوا هذا اللبنان،
لبنان الايمان لا التعصب: الويل لأمة تكثر فيها المذاهب وتخلو من الدين، كما قال جبران خليل جبران.
كونوا هذا اللبنان الحر، والحرية ليست فكرة ان لم تتجسد بالاحرار، كما قال شارل مالك.
كونوا لبنان الوطن النهائي لجميع أبنائه، كما قال العلاّمة الشيخ محمد مهدي شمس الدين.
كونوا اللبنان الواحد العاقل، فلبنان واحد لا لبنانان، كما قال صائب سلام.
كونوا لبنان الحق، ومن تهرّب من معركة الحياة كمن تهرّب من معركة الحق، كما قال كمال جنبلاط.
كونوا لبنان الوطن، لا لبنان الكنيسة ولا لبنان الجامع، كما قال بيار الجميّل.
بل آمنوا بلبنان الأكثر من وطن، لبنان الرسالة، كما قال البابا القديس يوحنا بولس الثاني.
هذا هو لبنان المتعاقد عليه،
هذا هو لبنان المتفاهم عليه،
هذا هو لبنان الخلاصة الثقافية والحضارية.

الحضور الكريم،
أنا أثق بالشباب اللبناني والعربي، ففي بيتي أكثر من اختبار. وأكثر من تجربة. العصر عصركم. والكلمة لكم. راقبوا، دققوا، حاسبوا، لا تحيدوا عن القيم، لا تقلدوا، لا تنسخوا، ابقوا أنتم كما أنتم وكما ارادكم أهلكم بتربيتهم وأخلاقهم ومناقبيتهم.
أنتم الجيل الواعد. فشباب تونس ليسوا أفضل حالاً. ولا شباب مصر والسودان. كنتم يا شابات وشباب لبنان السباقين لبضع سنوات خلت، وإن أصابت المسيرة بعض خيبات وأوجاع، أنتم في ربيع الاصلاح، في عمقه، في الصف الأول، أثبتم جدارة وثقة بقدراتكم، بتصميمكم على التغيير. ثابروا فظاهرة تنبيه الحكام في العالم العربي لم تنقض، بل فعلت فعلها وصارت قضية رأي عام وهاجساً لدى الطبقة السياسية.
أنتم خريجو جامعة لا تسوّق لايديولوجيا، بل تزودكم بمنهجية التفكير السليم. فكونوا هذه الانتفاضة، كونوا هذه الثورة، من أجل ثقافة الخير والبناء، من أجل الانسان.
ارفعوا لبنان الجديد على الأكتاف، لبنان غير القابل للنسخ، لبنان الحداثة المستدامة.
اتحدوا يا شباب لبنان واعلنوها ثورة للبنان، ومن أجل لبنان السيادة والحرية والرسالة.
إن لبنان يناديكم، أنتم الأكثرية، فلا تجعلوها صامتة بل انطقوا بالحق، ثوروا على الفساد، ثوروا على الزبائنية القاتلة، والحزبية الضيقة، على المذهبية الحابسة، غنوا لبنان أينما كنتم، وأنّى حللتم..
يا شابات وشباب لبنان
بيتكم لبنان،
مذهبكم لبنان،
حزبكم لبنان.
قولوا كلمتكم ولا تمشوا. فلبنان لنا جميعاً، لنا كلنا، وكلنا للوطن.