Back to Lectures

"الدروس المستقاة من سوريا والعراق لمكافحة الإرهاب والتطرّف"

2019-09-03

كلمة الرئيس أمين الجميّل
في إفتتاح ندوة
"الدروس المستقاة من سوريا والعراق لمكافحة الإرهاب والتطرّف"
في 3 أيلول 2019
****

يسرّ "بيت المستقبل" أن يرحب بكم في هذه الندوة الفائقة الأهمية حول موضوع: "الدروس المستقاة من سوريا والعراق لمكافحة الإرهاب والتطرّف"، وسط الظروف التي تعيشها المنطقة وتصاعد التوتر الذي بات سمة العلاقات الدولية، لا سيما وأن موضوعها يقع في صلب اهتمامات مؤسستنا كما اهتمام شريكينا "مؤسسة كونراد آديناور" و"مارتينز سنتر"، لخطورته التي تتخطى السياسة لتصيب المجتمعات والفكر الإنساني بعامة. وأود أن أغتنم هذه المناسبة لأشكر مؤسسة كونراد آديناور ومارتينز سنترعلى اكتراثهما بهذه المسألة الحساسة وبغيرها من قضايا المنطقة، كما على تعاونهما لإنجاح هذه الندوة.
إن الدروس المستقاة من سوريا والعراق لمكافحة الإرهاب والتطرف كان ينبغي أن تكون كثيرة، متعددة الأوجه وغنية المضمون، تصب في اتجاه تحقيق استقرار المنطقة وأمنها وازدهارها. ولا نبالغ إذ نقول أن ذيول الأحداث التي شهدتها هاتين الدولتين منذ نحو عقدين من الزمن تعد الأخطر في المنطقة بعد حرب 1948 واحتلال فلسطين.
ولعلّ القاسم المشترك الأبرز بين ما جرى ويجري في العراق وسوريا هو بروز ظاهرة التشدّد والعنف والتطرف، والتي لا نستطيع أن نفصلها عن ظاهرة أخرى وهي الكيانات المسلحة الخارجة عن الدولة.
إن الإرهاب أو التشدّد العنيف بات من الآفات الرئيسة التي تربك حكومات العالم بأسره لأنه ظاهرة متنقلة تلبس أشكالا متعددة، لكنها تبدأ بتحول فكري يحتضن أيديولوجيات أساسها كراهية الآخر المختلف إن في الهوية أو القومية أو العرق أو الدين، لتصل إلى ممارسة عنفية تهدف إلى القضاء عليه. الخطر الأكبر يبقى أننا لا نواجه عدوا حسيا يتجسد في كيان يمكن القضاء عليه، بل نواجه فكرا ظلاميا متسلحا بتكنولوجيا الاتصالات لينتشر كالوباء ويزرع له في كل مكان جنودا يصعب رصدهم، في ظاهرة بات يطلق عليها اسم "الذئاب المنفردة". وإذا كنا نعلم أن الاستبداد وغياب الدول القائمة على المؤسسات وانعدام التنمية وعقود من القمع والخيبات هي وراء ظاهرة التطرف والعنف في منطقتنا، نتساءل وبجدية عن أسبابها في الدول الغربية، وهي موجودة – بمثابة ردات فعل أحياناً - ليس فقط في صفوف المهاجرين ولكن في صفوف السكان الآصيلين أيضاً.
إن مقاربة موضوعية وصريحة لهذه المسألة الشائكة، تقول إن سياسات الدول، لا سيما الكبرى منها، تبقى ملتبسة وخبيثة تعتمد معيارين تحت سقف واحد. فالعنوان الرئيس لهذه السياسات هو محاربة الإرهاب والتطرف، لكن هذه المعركة تشيح النظر عن مسبباتهما وتنتهج براغماتية تدفع أحيانا القائمين عليها إلى التعاون المباشر مع المتشددين تغطيةً لمواقف سياسية أو لغياب هذه المواقف، ما سمح للعديد من المنظمات الإرهابية بإعادة تكوين نفسها تحت مسميات جديدة كما حصل مع "القاعدة" في سوريا التي تحولت إلى "جبهة النصرة" لتتحول مرة جديدة إلى "هيئة تحرير الشام" في مسار يعرف بـRecuperation أو التعافي.
حتى لا نبقى بعيدين عن عنوان الحلقة، لا بد من الإشارة إلى أن تجربتي العراق والحرب السورية كما مقاربات باقي النزاعات والحروب في المنطقة لا تبشّر بالخير، لأنها بالمحصلة النهائية أعادت تجديد الاستبداد الذي يُعتبَر لدى البعض الوصفة الناجعة لمكونات التطرف، فعادت معه المنطقة إلى نقطة الصفر بانتظار ظهور نسخ جديدة من التشدّد لن تكون سوى أعنف وأشد شراسة مما سبقها. وأفضل دليل على ذلك الوضع الراهن في سوريا.
هذه الندوة الفكريّة تشكل مساحة تسمح لنا بتقديم مساهمات علّها تكون مفيدة في مسار معالجة معضلة التطرف والعنف، التي نعتبر أن العامل السياسي هو المسؤول الأول عنها على الرغم من أهمية العاملين الاجتماعي والاقتصادي في نشأتها. لذلك الحل يبدأ من السياسة وفي اجتماعات على غرار G7 وG20 مخصصة لهذه القضية، تعالج مسبباتها في خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد، ترتكز ليس فقط على الجانب الأمني بل وأساساً، على الجانب الإنساني. وتستند إلى مبدأ يقول إن دون قيام دول المؤسسات وتحقيق الديمقراطية ونشر الفكر الليبرالي وقيم التسامح وقبول الآخر، ستبقى آفة التشدّد والعنف في أشكالها كافة وباء القرن الواحد والعشرين. نلفت هنا إلى أنه كما فشلت الأيديولوجيات في القرن الماضي سواء الاشتراكية أو الشيوعية أو النازية والفاشستية في معالجة البعد الإنساني، تكاد الليبرالية اليوم تفشل أيضاً في هذا المجال. إن العولمة التي ركزت على الهموم الاقتصادية وسّعت الهوة بين المجتمعات وداخل المجتمع الواحد، واتسعت شريحة المهمّشين ما يقوّض فرص الديمقراطية والمساواة والعدالة ليضيف ذلك سبباً جديداً على أسباب التطرف والإرهاب، ورد الفعل عليها بالتقوقع والإنغلاق. وهذه الظاهرة أصبحت شائعة لدى بعض المجتمعات الأوروبيّة.
وإذا كنا جميعاً نتصدى لانتشار السلاح النووي بمعناه الفعلي في المنطقة، فهذه الآفة هي سلاح نووي فتاك اعتمد على الانشطار ليلحق أكبر ضرر ممكن بالعالم أجمع، وهو ضرر يصيب بالدرجة الأولى الفكر الإنساني عند الجلاد والضحية على حد سواء.
نشكر للجميع مشاركتهم في هذه الندوة، متمنيا لها النجاح في المساهمة ولو قليلا بما يعزز الأمن والسلام لدول العالم وشعوبه.