Back to Lectures

الجامعة اللبنانية – الاميركية جبيل

2001-02-26

محاضرة الرئيس أمين الجميّل

الجامعة اللبنانية – الاميركية

* * *

جبيل، في 26 شباط 2001

اسمحوا لي، بداية، أن أعبّر عن إعجابي بالإنجاز المتمثل في هذا الصرح الأكاديمي وبالمستوى الذي بلغه في غضون سنوات والذي ما كان ليبلغه لولا الروح الرسولية التي تأسّس عليها, وكنت ممن واكب مرحلة تأسيسه وشارك، ولو في حدود، في إطلاقه لخدمة العلم والمعرفة في لبنان.
أما حديثي إليكم فسيكون من القلب الى القلب، ومن دون أي تكلّف. الأسئلة عديدة اقرأها في عيونكم وعلى جباهكم, وإذا صحّ أنني أملك بعض الأجوبة، بحكم مسؤولياتي السابقة والتجربة القاسية التي عشتها في خلال ولايتي الرئاسية، إلا أنها لا تقوم مقام الأجوبة التي يجترحها ويبتكرها، عادة، جيل الشباب، حينما تبدو الطرق مسدودة والآفاق ملبّدة. وأجوبة الشباب هي دائماً أفعال، وهم دائماً الثورة على واقع الحال، وبخاصة في بلد مثل لبنان كتب عليه أن يشهد دائماً للحرية وكرامة الشخصية الإنسانية، كما لو أنه فوق أرض تهزّها الزلازل دائماً فوجب أن يتعايش معها.
ما نشهده اليوم ليس جديداً على لبنان. لقد عرف تجارب عديدة مماثلة في تاريخه القديم والحديث. وفي كل مرة كان يخرج من التجربة أشدّ صلابة. إنه بلد تاريخي، لأنه اتخذ من نفسه عنواناً للحرية، أو لأن الحرية في هذه المنطقة من العالم لم تجد لها موطناً إلا في لبنان!
النقمة الشعبية... القلق على المستقبل... لا يجب أن نيأس! إن كل ما هو قائم مصطنع ولن يدوم. إنه مخالف لطبيعة الأشياء كما لإرادة اللبنانيين.
أبطال الاستقلال رسموا لنا الدرب وهذا كلام الرئيس رياض الصلح: "فنحن أيها السادة، أينما ذهبنا، رواد استقلال وتعاون واتحاد ووفاق بين المسيحيين والمسلمين. ونحن نحمي هذا الاستقلال التام والناجز ونغذّيه بدمائنا وأرواحنا، ليس فقط ضد الغرب، بل ضد الشرق أيضاً!! (رياض الصلح) مجلس النواب 14 تشرين الأول 1944
أما الرئيس عبد الله اليافي قال أيضاً:
"... فأنا بصفتي نائباً لبنانياً ونائباً مسلماً سنّياً عن لبنان ونائب عن بيروت، أعلن أننا في لبنان، نصارى ومسلمين، قد ارتأينا حالة لبنان الحاضرة بملء رضانا واختيارنا، وإننا لا نبغي عن هذا الوضع بديلاً... ولا أزال أذكر كلام رياض الصلح: إننا سندافع عن لبنان ضد الشرق والغرب" .
أما الاتفاقات والمعاهدات فكلها تتناقض مع روح الميثاق والمصلحة الوطنية. مع إن البعض رضي بها لوقف الحرب، فجاء التنفيذ مغاير لما إتفق عليه. مثلاً، إتفاق الطائف الذي نصّ على التمسّك باتفاق الهدنة بعد الانسحاب الإسرائيلي، وعلى إعادة تمركز القوات السورية بعد انقضاء سنتين على تنفيذ الإصلاحات السياسية. ونصّ أيضاً على تشكيل حكومة وفاق وطني، لم ينفّذ شيء من كل ذلك.
وجاءت المعاهدات بين البلدين ترسي علاقة غير متوازنة وغير متكافئة تخدم المصالح السورية في المجالات كافة على حساب المصلحة اللبنانية".
كيف يمكن التوفيق بين نظامين متناقضين: في سوريا دولة سلطوية وحزب حاكم ونظام تحت سلطة العسكر ونظام اقتصادي تسيطر عليه الدولة. نحن لا ننتقد طالما أن الشعب السوري ارتضى لنفسه هذا النظام. يقابله في لبنان : نظام مغاير حيث الدولة غير سلطوية، والتعددية السياسية قائمة والنظام الاقتصادي حرّ، والمجتمع متنوع ومنفتح. بكلام آخر، حالتان، لا بل مدرستان متناقضتان في الحكم تميّز لبنان عن سوريا، لا يجمع بينهما من هذا القبيل سوى عضويتهما في الجامعة العربية، والموقف من النزاع العربي ـ الإسرائيلي!
بالتالي، الحياة السياسية معطّلة، الأحزاب وسائر تنظيمات المجتمع الأهلي مخترقة على يد الأجهزة الأمنية ، وخصوصاً الاتحاد العام للنقابات.
ظنّ البعض أن الوضع انتهى وتأقلم الشعب مع هذا الأمر الواقع، وإن القضم والضم على الطريق... هذا غير صحيح:
هناك أصواتاً ومقامات عدة قد بدأت تعترض على هذه الحال وتقاومها:
- الطلاب
- السياسيون
- بكركي
- المطران عودة
- الوزير جنبلاط
- سكوت البعض وهو أبلغ...
- جمع من الصحفيين المثقّفين
إن محاولة ترويض لبنان وإظهاره بمظهر المتآلف مع هذه الحال فاشلة. فهو رافض لها بكل فئاته وطوائفه. وهذا ما يعرفه الحكم القائم وتعرفه سوريا خصوصاً، وهذا ما يفسّر الحدّ من الحريات وتدخّل أجهزة المخابرات والوجود العسكري السوري الذي يبدو كما لو أنه لترهيب اللبنانيين لا لترهيب إسرائيل!
التصميم على إنقاذ الوطن ... خطوة، خطوة، مهما طال الوقت.
كان المرتجى أن تكون "حرب لبنان" وهي "حروب الآخرين على أرضه" منتهية بعد الانسحاب الإسرائيلي، فيستعيد لبنان ذاته وأمنه وينصرف الى إحياء الدولة ومؤسساتها والى إعمار ما تهدّم، وخصوصاً في المناطق التي كانت محتلّة، أو متروكة، هي وأهلها، منذ ربع قرن.
- فمنذ العام 1968 ولبنان على جبهة النار مع إسرائيل. آن له أن يستريح، ومن حقه أن يستريح بعد ثلاثين عاماً من النزف المتواصل.
- ما من دولة في العالم تمتنع عن استلام حدودها بحجة أن ذلك يشكّل حماية لأمن عدوّها.
- إن الحجج المطروحة لعدم نشر الجيش على الحدود، بعد الانسحاب الإسرائيلي لا تقنع أحداً.
- قصة مزارع شبعا قصة قديمة تعبّر عن نزاع حدودي بين لبنان وسوريا لا بين لبنان وإسرائيل. وهي قصة تعود الى ما قبل حرب حزيران 1967. يروي الرئيس سامي الصلح في مذكراته التي صدرت أخيراً عن "دار النهار" ما حدث معه يوم كان رئيساً للحكومة في العام 1958 فيقول:
"استمر تدهور العلاقات اللبنانية – السورية ما بين عامي 1956 – 1958 ، ونتج عن ذلك بعض المشكلات الحدودية الحادة عندما أقدمت السلطات السورية على إقامة مخفر للدرك السوري في مزارع شبعا... وقد أنذر سكان مزارع شبعا في شهر أيار 1957 من السلطات السورية بوجوب تقديم بيانات عائلية تتضمّن قبولهم الهوية السورية بدلاً من اللبنانية. عندما زارني وفد من أهالي شبعا شاكياً واطلعت منه على التطورات، شددت على الوفد ضرورة التمسّك بهويتهم اللبنانية واعداً الجنوبيين بالعمل على معالجة الأمر وتعزيز صمودهم ومنع الاعتداءات والحدّ من الضغط عليهم".
- إن "تحرير مزارع شبعا" هي مسؤولية سورية لا لبنانية، وكذلك تحرير الجولان، فما معنى تحميل لبنان هذه المسؤولية المزدوجة فيما الهدوء يخيّم على جبهة الجولان؟!

الاحتجاجات اللبنانية هي على "دور السخرة" الملقى على عاتق لبنان لا على "التلازم بين المسارين" أو على التضامن بين البلدين:
- إن لمن المسلّم به أن لا غنى للبنان عن سوريا والعكس بالعكس، في أيام الحرب وفي أيام السلم، ولكن ليس على هذه الصورة.
- لا غنى عن استراتيجية مشتركة بين البلدين، عسكرية طبعاً ولكن أيضاً اقتصادية.
- نحن طلاّب إعادة نظر في هذه الاستراتيجية التي لم يشارك لبنان في وضعها بل فرضت عليه من تقدير ظروفه وإمكاناته الاقتصادية والاجتماعية التي لا تطاق.
- نحن دعاة حوار حول هذه الاستراتيجية المدمّرة لبلدنا، أولا بين القوى السياسية اللبنانية ثم بين الحكومتين أو الدولتين، وبخاصة أن "السلام الشامل" مؤجّل الى زمن آخر بسبب الأزمة الداخلية في إسرائيل.

الجامعة اللبنانية – الأميركية
جبيل، في 26 شباط 2001