Back to News
إن المقاومات التي نجحت عبر التاريخ المعاصر هي التي التزمت حدود أوطانها وانخرطت في بناء دولها

إن المقاومات التي نجحت عبر التاريخ المعاصر هي التي التزمت حدود أوطانها وانخرطت في بناء دولها

كانون الأول 14, 2014
إن المقاومات التي نجحت عبر التاريخ المعاصر هي التي التزمت حدود أوطانها وانخرطت في بناء دولها

استهل رئيس حزب الكتائب اللبنانية الرئيس أمين الجميّل والوفد المرافق الذي ضم نائب الرئيس شاكر عون، ووزير العمل سجعان قزي، والامين العام ميشال خوري، والوزير السابق سليم الصايغ والنائب فادي الهبر واعضاء المكتب السياسي والمجلس المركزي، زيارته الى قضاء حاصبيا مرجعيون بزيارة بلدية القليعة حيث كان في استقباله رئيس البلدية ابراهيم شفيق جرجس وني وفعاليات المنطقة العسكرية والدينية والإجتماعية.
والقى رئيس البلدية كلمة مؤكداً ان القليعة طالما غنت اناشيد الحرية ورفضت على الدوام منطق الة الحرب والشر والخيانة والتدمير، وقال: لم تستسلم لأحد ولم تركع الا على سفوح جبل التجلي. جئتم الينا اليوم حاملين ارثا مجيدا مشبعا بايمانكم بالله والوطن والعائلة، اننا اذ سنشكر لكم كل التضحيات التي بذلتم وبنوع خاص الشهيد الغالي بيار امين الجميل، نتطلع سويا لبناء مجتمع الفكر والمعرفة .
الرئيس الجميل
وردّ الرئيس الجميل بكلمة قال فيها:
فرحتي كبيرة لوجودي معكم في قلعة الصمود الوطنية والمحبة والإنفتاح التي جسدت الوحدة الوطنية الحقيقية والإنصهار في منطقة هي نموذج نطمح اليه، لبنان الكبير الذي تجتمع فيه كل العائلات من كل المذاهب والطوائف وتلتقي حول مصلحة لبنان وحول وطن الرسالة والإنسان والحرية.
وتمنى ان تبقى القليعة مجتمعة بكل عائلاتها وبكل طاقاتها الخيرة وطالب ان يتمسك الشباب بأرضهم وقال: هذا يحتمّ علينا مسؤولية الإنماء وايجاد فرص العمل للشباب ليتجذروا بالأرض، واصفا هذا الصمود بالمقاومة المهمة للوقوف في وجه كل المخاطر ولتعزيز السيادة والإستقلال لتكون هذه المنطقة نموذجا يحتذى به، وتكون ضماناً لإستقلال لبنان. وحيا نواب المنطقة وقياداتها من كل الطوائف والمذاهب الذين يهتمون بابناء المنطقة وقال: نحن يدنا بيد كل القيادات وسنتعاون مع بعضنا البعض من اي حزب او فئة ليكون الجنوب وطن المحبة والإنفتاح والإلفة والإنصهار الكامل. وتمنى ان يكون السلام والإستقرار رمز المرحلة المقبلة.

لقاء مشايخ الدروز في خلوات البيّاضة
وانتقل الرئيس الجميّل الى خلوات البيّاضة حيث التقى وفداً من المشايخ الدروز. وكان في استقباله ممثل وزير الصحة العامة وائل ابو فاعور شفيق علوان، وممثل النائب أنور الخليل نجله زياد خليل، وكبار مشايخ البياضة وفي مقدمهم الشيخ غالب قيس والشيخ سليمان جمال الدين شجاع، وممثل "الحزب الديمقراطي" وسام شروف، و رئيس اتحاد بلديات الحاصباني منير جبر، وحشد من المواطنين.
وقال الجميّل:هذا الصرح الوطني هو لكل لبناني مخلص لبلده ولمستقبل لبنان. وتوقّف الرئيس الجميّل عند الجهود التي يبذلها النائب وليد جنبلاط لجهة المساعي التي يبذلها للخروج من مأزق الرئاسة وغيرها من الملفات، كما نوه بحملة وزير الصحة وائل ابو فاعور لتصحيح المسار الخطير المتعلق بسلامة الغذاء، وقال الجميّل "لا شك اننا بأمس الحاجة الى هكذا طاقات وشخصيات". كما نوّه بالدور الذي لعبه آل ارسلان على الصعيد الوطني محيياً الامير طلال.

ورحب الشيخ شجاع بالرئيس الجميّل وقال: "نتطلع بارادة قوية ليكون لنا لبنان كما كان لنا دائما بلد العيش المشترك بمعناه الجامع ودستوره الذي اعطى ما لله لله، وما لمجتمعه العام من حقوق المواطنة وواجباتها، وكيف نبنيه قبل ان نتجاوز محن النزاعات ومصهر التجربة ومهاوي المصالح الضيقة والمواقف الجامدة التي تكاد ان تودي بنا، ونحن اذ نقف باقدام ثابتة في موقفنا فلأننا نستلهم تاريخنا الوطني بشجاعة يجسدها اليوم وليد بك جنبلاط بامتياز، هذا الرجل الذي يقف وسط العواصف قابضا على الموقف الملتزم الحكيم كمن هو قابض على الجمر، يدعو اليه لا من اجل طائفة ولا مصلحة فئوية بل من اجل ان يبقى البلد على شيء من التماسك الذي من شأنه ان يعبر به الى شاطئ الأمان، اننا بحاجة لمواقف شجاعة لأن الشعب أمانة في عنق السياسيين، وما يشير الى العجز في السياسة هو شغور مقام رئاسة الجمهورية، وبيننا ايضا الوزير وائل ابو فاعور الذي قدم نموذجا فعالا عما تكون عليه الشجاعة في العمل الوزاري، اذ تصدى للفساد بطريقة استثنائية ايقظت الناس من سبات ليروا استهتارا مروعا في ما خص صحتهم وسلامتهم.

وزار الرئيس الجميّل ايضا كنيسة مار جاورجيوس للروم الارتوذكس في حاصبيا.

الخيام

وزار الرئيس الجميّل بلدة الخيام حيث استقبله وزير المالية علي حسن خليل في دارته، واولم على شرفه.
ورحب الوزير خليل بالرئيس الجميّل وقال": "يشرفنا ان نستقبل الرئيس الجميّل والوفد الكريم، ونحن نستقبله في بيته ومنطقته في الخيام وهي واحدة من عواصم جبل عامل التي تتميز بالتعايش، وهي صورة مصغّرة لمنطقة فيها هذا التنوع الكبير الذي يعكس صورة لبنان الحقيقية وصورة التلاقي بين كل الديانات".

واعلن خليل: "مشايخنا من طائفة الموحدين الدروز، سيدنا، وصاحب السماحة، كانوا دوما حريصين على الابقاء على هذه المنطقة نموذجا للعيش المشترك والانفتاح في احلك الظروف".

وتابع: "نحن على بعد امتار من اسرائيل التي هدّمت مرات عدة هذه البلدة، لكن نحن نؤكد بحضوركم ارادة الحياة التي نريدها على شاكلة لبنان الذي رسم ملامحه الامام موسى الصدر وطناً نهائياً لكل ابنائه، والرئيس بري يعمل من اجل الحفاظ عليه وعلى وحدته".

واشار الى ان بلدنا يتعرض لتهديدات متعددة، مشدداً على ان التهديد التكفيري لا يستثني احدا وهو يريد قتل ارادة الحياة والعيش المشترك والقضاء على كل التكامل بين الديانات، مؤكداً الحرص على الحوار ودعم كل قنوات التواصل.

واضاف: "نلتقي معكم فخامة الرئيس في الحفاظ على استقرار لبنان والحرص الدائم ان نكون معاً في صف واحد وخندق واحد دفاعا عن هذا الوطن، ونؤكد الحرص على انجاح كل قنوات الحوار القائمة والتي نستعدّ لها بين كل المكونات".

واكد اهمية الوصول الى تفاهمات كبرى تفتح الافاق امام اتمام الاستحقاقات الدستورية واولها انتخاب رئيس للجمهورية حتى تستقيم الامور، معتبراً ان زيارة الرئيس الجميّل اليوم تعزز روح التواصل. وقال: "هذه الزيارة ستكون مثالاً، وندعو كل الاطراف السياسية الاخرى الى هذا النهج وزيارة هذه المنطقة، وهو ما يعيد الربط الضروري بين المكونات المختلفة بالجغرافيا والسياسية".

النائب فياض

وتحدث النائب علي فياض مرحباً بالرئيس الجميّل والوفد الكتائبي، وقال: نرحّب بكم في الجنوب الذي هو ميزان الاستقرار والسياسة على مدى عقود، نرحب بكم على الاخص في منطقة مرجعيون حاصبيا ارض المقاومة والاعتدال والتعايش، مضيفا: الجنوب اللبناني كان دائما مجتمعاً للاعتدال والانفتاح، وكان دائما يدير الوجه باتجاه الدولة ويسعى الى بناء دولة مستقلة، لافتاً الى الخطرين اللذين يواجههما لبنان، خطر العدو الاسرائيلي وخطر الجماعات الارهابية.

واشار الى ان هذه المناسبة تأتي في السياق الطبيعي للمواقف التي تتقارب في مرحلة يمرّ بها لبنان بكثير من التحديات التي تحتاج الى ان تتضافر الجهود في سبيل مواجهتها، لافتا الى ان الحوار شكّل على الدوام استراتيجيتنا لتقريب المواقف.

وتابع: حبذا لو ان اللبنانيين ينفتحون على بعضهم البعض ويعتمدوا الحوار لمعالجة الخلافات السياسية فيما بينهم.

وردّ الرئيس الجميّل معرباً عن سعادته بهذه الزيارة، وقال: "نشعر بالاخوة الحقيقية وهذا الامر ليس بجديد فالعلاقة مع الوزير خليل قديمة، بالجوهر نحن كلنا في خط واحد، وهناك انسجام وتواصل في كل ما يتعلق بالقضايا الوطنية". وحيا رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي نقدّر الجهود التي يبذلها في مختلف الاتجاهات.

وذكّر الرئيس الجميّل بالعلاقة المميزة التي جمعت بين الكتائب والامام موسى الصدر الذي خطّ طريق الاعتدال والوحدة والتمسك بالسيادة والقيم اللبنانية ولم يترك مناسبة الا وكان يعبر فيها عن الرسالة اللبنانية ودورها.

وشدد على ان التنوع الموجود اليوم هو اكبر رسالة للطامعين، سواء اسرائيل او الجماعات الارهابية، بأن لبنان متماسك وقوي بتضامن شعبه.

وتابع الجميّل: "استجدّ تحد جديد بانتشار الحركات الاصولية التي نعاني من كل مأسيها واختطاف جنود اعزاء، وشعورنا لا يوصف تجاه اهالي العسكريين الشهداء والعسكريين المخطوفين، الذين نأمل عودتهم في أقرب فرصة، خاصة وأننا على ابواب الاعياد.
وجدد التأكيد على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية لاعادة احياء رمز الوحدة والسيادة وكل ما نطمح اليه كلبنانيين.

وانتقل رئيس الكتائب الى جديدة مرجعيون حيث افتتح بيت اقليم مرجعيون حاصبيا، بحضور الوزير علي حسن خليل، والنائب علي فياض والوفد الكتائبي ورئيس الاقليم بيار عطالله وحشد من المحازبين والمواطنين. وقال الرئيس الجميّل في كلمته:
أحيي الجنوب شعباً وأرضاً ومؤسسات. أحيي جيش لبنان رمز الشرعية والتضحية في الجنوب وكل لبنان. أحيي مقاومةَ أهل الجنوب عبر التاريخ ضد كلِّ محتلّ ومغتصب ومعتد وصولاً إلى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي فتحررت الأرض وافتخر المواطن وعادت الدولة إليه. أحيي القوات الدولية التي تجسد الشرعية الدولية وقد وقفت إلى جانب لبنان في المراحل الصعبة. أحيي المبعدين عن وطنهم علهم يعودون إلى أرض الآباء والأجداد. أحيي رفاقي الكتائبيين تفتحون مجدداً أقاليم الحزب وأقسامه وتستعيدون نشاطاته الوطنية بعدما أزال الاحتلال الإسرائيلي معالمها وأخفى أعلامنا ورموزنا منذ سنة 1978.
أحيي كل قادة الجنوب وأعيانه ووزراءه ونوابه ونخبه، وبصورة خاصة الصديق الدائم دولة الرئيس نبيه برّي. أحيي رجال الدين فيه مسيحيين ومسلمين ودروزاً. أحيي أحزابَ الجنوب وحركاتِه وتياراتِه وأطيافَه كافة. أحيي شهداء الجنوب، كل الشهداء اللبنانيين الذين سقطوا في وهاده وقممه وقراه وثكناته.
* * *
على هذه الأرض الطيبة التحمت دماء أبناء الجنوب مع دماء جنود الجيش اللبناني. هنا أرض مايكل دبغي وحسن كامل الصباح. هنا قانا حيث اجترح المسيح أولى المعجزات. هنا صور حيث شُــــيّـِدت أولى الكنائس سنة 52 لتلتقي بعد حين بالمساجد. هنا علماء جبل عامل ينشرون الفقه الإسلامي حتى بلغوا إيران في القرن الثاني عشر مدرِّسين ومرجعيات.
مثل هذه الأرض الطيبة العابقة بالأمجاد الدينية والدنيوية مدعوة إلى أن تحتضن كل أبنائها فيتطلعون متحدين ومتضامين نحو المستقبل وينخرطون في بناء الدولة الجامعة القوية. أبناء هذه الأرض، ولديهم وِفــرٌّ من الإباء، مدعوون إلى طي صفحات الماضي المؤلمة لتبقى مفتوحةً صفحة البطولات الوطنية والحياة المشتركة والمصالحة الشاملة. فبعدما كان يشعر جنوبيون بالحرمان والتهميش، لا يجوز ان يشعر جنوبيون آخرون اليوم بالإحباط والغربة. فعدا الانتماء إلى وطن واحد، التجارب القاسية تجمعنا. معاً حزنّــــــا ومعاً فرحنا ومعاً صمدنا ومعاً انتصرنا في الجنوب وكل لبنان.
* * *
منذ البداية تتحمل الدولة اللبنانية قسطاً كبيراً من مسؤولية مأساة الجنوبيين المبعدين. فلو دافعت الدولة يومها عن الجنوب، ولو لم تتنازل عنه ليكون ساحة الصراعات العربية والإقليمية والدولية، ولو أمنت الحماية الوطنية والرعاية الاجتماعية لكل أبناء الجنوب بوجه التجاوزات الفلسطينية أولاً ثم بوجه الاعتداءات الإسرائيلية، لما ضلّ الطريق جنوبيون، ينتمون إلى كل الطوائف والمذاهب. أما اليوم، وبعد انقضاء نحو خمس عشرة سنة على التحرير الكبير سنة 2000، لا بد من استكمال خطوات المصالحة ومشروع العفو الموجود في المجلس النيابي. لن نقبل بوجود جالية لبنانية في إسرائيل لاسيما وأن جزءاً منها وُلد بعد التحرير، وجزءاً آخر منها كان دون سن الرشد قبل أن يغادر البلاد.
* * *
الدولة التي نــــــتــّـــهمها بالتقصير، ساهمنا جميعاً، وعلى التوالي، طوال نصف قرن، في إضعافها وتهميشها، حتى أصبحت وكأنها حمولةٌ زائدة تضايق مشاريعنا الخاصة. إن الدولة أهمُّ من الأمةِ والوطنِ في العصر الحديث. فالعولمة بــبُـــعدِها الثقافي والفكري والتكنولوجي وبتداخل الاتصالات والمواصلات، حَجمّت خصوصياتِ الشعوب الوطنيةَ والاجتماعية. في الماضي كان انقاذُ الوطن ينقذ الدولة، اليوم انقاذُ الدولة يُـــنقذ الوطن.
الدولة بيئــــةٌ نفسية قبلَ أن تكونَ نظاماً دستورياً. قد تكون كل مؤسسات الدولة وأجهزتِها موجودةً في منطقة ما وتشعر بغياب الدولة. وقد يكون وجود المؤسسات الرسمية رمزيا وتشعر بحضور الدولة في كل مكان: ترافقك، تحميك، وتطمئنك. في الجنوب وفي كل لبنان نريد دولة ترفع رأسنا ونرفع بها رأسنا.
منذ انتصار المقاومة في أيار 2000، راهـــنّـــا على عودة الجنوب إلى الدولة اللبنانية وعلى دخول حزب الله إلى مشروع الدولة. لكن هذا الرهان بقي ناقصاً، إذ لا تزال الدولة حلقة ضعيفة، تفتقد وحدة القرار، وآخر مظاهر تعددية القرار هذا التخبط في كيفية التصدي لخطر الإرهاب التكفيري المتفشي في أكثر من بؤرة وحالة. وما قضية عسكريينا المخطوفين سوى دليل ساطع على تأثير هذه الظاهرة على قرارنا الوطني ونحث الدولة على القيام بكل الجهود لتحريرهم ونقف الى جانب اهالي الشهداء الذين استشهدوا للدفاع عن لبنان.
وإذا كنا متفقين كلبنانيين على هذا الخطر، فإننا نعتبر أن مواجهته مسؤوليةُ الدولة اللبنانية، بل مسؤولية كل مواطن تحت إشراف الدولة. إن الجيش اللبناني مستعدٌّ ومجَـــهَّز وقادرٌ على هذه المهمة، وأعطانا النماذج الناجحة منذ معركة مخيم نهر البارد إلى اليوم مروراً بطرابلس وعكار والبقاع وعرسال والضاحية الجنوبية وبيروت.
* * *
إن المقاومات التي نجحت عبر التاريخ المعاصر هي التي التزمت حدود أوطانها وانخرطت في بناء دولها. أي أنها انتقلت من المقاومة العسكرية إلى المقاومة السياسية.هذه النقلة التاريخية نتمنى أن تكون خيار كل من قاوم في سبيل لبنان. وإذ أُبدي هذا التمني الصادق، فلتوفير أفضل الظروف لتثبيت الشراكة الوطنية المبنية على إنجازات كل القوى المقاوِمة في هذا البلد، وعلى تراث حضاري قلَّ نظيره في هذا الشرق. بالأمس تحدانا الأعداء فانتصرنا عليهم، اليوم تناشدنا الدولة فلـــنُــنصِرْها.
الدولة اللبنانية تحتاج كل العناية في هذه المرحلة. وأي إهمال مقصود أو غير مقصود يدخل لبنان في جاذبية التغييرات الكيانية التي تجتاح مشرقنا والعالم العربي. ما من دولة في هذا المحيط إلا وتتعرض حالياً للتفتت أو التقسيم أو الحكم الذاتي أو الحالة الانفصالية والأمثلة كثيرة. لكن سلوكنا السياسي الحالي، وإن حفظ الاستقرار نسبياً ومرحلياً، فإنه يعرّض وحدة الكيان لأخطار اعتقدنا أنها صارت وراءنا بعد اتفاق الطائف، آن الأوان ان نتعظ من الحوادث التي نشهدها حولنا ونعزز المؤسسات الوطنية والصمود اللبناني .
* * *
نحن اليوم امام عدة استحقاقات مترابطة: إنقاذ الرئاسة عبر انتخاب رئيس. إنقاذ الجمهورية عبر إصلاح النظام. إنقاذ الكيان عبر التزام الحياد وتعزيز الولاء المطلق له. إنقاذ الصيغة عبر تجديد مفهوم الحياة الميثاقية. وإنقاذ الوحدة الجغرافية والتعددية عبر اعتماد اللامركزية الإنمائية.
صحيح ان واجب الشعوب أن تعيد النظر بأوضاعها كلَّ يومٍ من أجل ان تُحسّــنَــها وتطورَها وتُـــغنيها وتُكــمّـــلَها، لا من أجل أن تنقضَ وجودها وتعيدَ تأسيسَه من جديد. إن الأمم هي مجموعة تراكمات وإنجازات قِـــيَـــمــيَّة ووطنية وإنسانية ودستورية لا تمحوها القرارات والمراسيم والتسويات. وما مطالبة المكونات القديمة في هذا الشرق بحق تقرير المصير سوى دليل على أن حق الشعوب لا يموت مهما طال الزمن.
في هذا السياق، ألم يلاحظ أحدٌ أن ما من مكــــوّن لبناني، أكان مسيحياً أم مسلماً، أكان أكثري العدد أم قليله، أعاد طرح انتمائه إلى لبنان؟ ألم يلاحظ أحدٌ أن الدول التي كانت تخشى على لبنان أن يتقسّمَ، تقسمت هي وبقي لبنان موحَّداً؟
* * *
لكن لا نتحدى هذه الوحدة اللبنانية لئلا تسقط وتلتحق بمصير محيطها. فأخشى ما أخشاه أن تكون محاولة إسقاط لبنان هذه المرة تتم من خلال شغور المؤسسات الدستورية أو تعطيلها أو التمديد لها أو تفريغها بعدما فشلت محاولات إسقاط لبنان من خلال الحروب.
لذلك، حان الوقت، بل تخطيناه، لأن ننتخب رئيساً للجمهورية يحيي الأمل باستمرارية وحدة لبنان، يعيد الانتظام إلى عمل المؤسسات، يحترم مواعيد الاستحقاقات الدستورية، يطلق مناخاً وفاقياً في البلاد، يستأنف البحث في استراتيجية دفاعية تحمي لبنان وتستوعب كل طاقات مكوناته الانسانية والعسكرية، يحمل رؤية وطنية ومستقبلية تطمئن الاجيال الطالعة وتحد من هجرتها، يحاور المجتمع العالمي لضمان استقلال لبنان وسلامة أراضيه وصون حدوده.
لا نريد مرشحاً وفاقياً ينتهي التوافق عليه بعيد انتخابه، بل رئيسا وفاقياً يتبع سياسة الوفاق طوال عهده.لا نريد مرشحاً يجتمع النواب فقط حوله، بل رئيساً يجمع الشعبَ حوله. ليس الوفاق مرحلة انتخابية بل نهج وطني.
* * *
أيها الرفاق والأصدقاء.
لم آت إلى الجنوب اللبناني ويدي ممدودة، فيدنا واحدة. لم آت إلى الجنوب لأقيم الجسور، فكلنا ننتمي الى ضفة واحدة. لم آتِ إلى الجنوب لأطلق حواراً، فأنا لا أحاور ذاتي. لم آت إلى الجنوب لأزرع الكتائب، فالكتائب نبتت هنا منذ سبعين سنة ونيّف، رسالة محبة وإخاء ووطنية.هذه بيئتها، هذه أرض كل اللبنانيين، هذه أرض الدولة اللبنانية.
كلنا شعب مقاوم. ما من مكــوّن لبناني الا وقاوم في مرحلة ما ضد عدو ما في سبيل لبنان ما. لكننا جميعا قاومنا خارج رعاية الدولة فأتت مقاومتنا فئوية صبّت كلها في مصلحة تحرير الارض ولكنها لم تصب دائماً في مصلحة بناء الدولة، دولة الإنماء والعدالة الإجتماعية. إن وجود الكتائب في الجنوب هو دليل على وجود الجنوب في كنف الدولة . ذلك ان الكتائب حيث الدولة، وحيث الدولة توجد الكتائب.
من نسي أن بيار الجميل أسس حزب الكتائب سنة 1936 ليكون حركة مقاومة لبنانية، فواجه كل الذين حاولوا اغتصاب لبنان أو ضمه أو احتلاله أو استيطانه أو الهيمنة على قراره. إن أول حركة مقاومة في تاريخ لبنان الحديث قادها حزب الكتائب ضد الانتداب الفرنسي سنة 1937 لانتزاع الاستقلال. شهداؤنا منارات تضيء على مساحة الوطن فيلتقون في الأعالي مع كل شهيد سقط من أجل القضية اللبنانية.
* * *
وإذا كان شهداؤنا يلتقون فحري بنا، نحن الأحياء أن نلتقي حول مسلمات وطنية تحفظ لا لبنان الأرض فقط بل مواطني لبنان في أرضهم. فالحروب العسكرية تبدأ وتنتهي، لكن حرب الهجرة دائمة تستنزف طاقات لبنان، وكأن بلادنا هي وطنُ عبور. إن لبنان قادر على استيعاب كل أجياله في حال وجود دولة قوية، حديثة، تحكمها طبقةٌ سياسية تفكر بالشباب والمستقبل والمصلحة العامة. أنظروا هذه الوهاد والتلال، هذه المروج والمساحات. كل شبر منها فرصة عمل ونداء بقاء.
من هنا إن الطبقة السياسية اللبنانية، حاكمة أو ناشطة، مدعوة إلى اعتبار الشأن العام عملاً إنمائياً واجتماعياً واقتصادياً قبل أن يكون عملاً سياسياً بالمفهوم التقليدي. كل حكم لا يؤمن بقاء اللبنانيين في أرضهم هو حكم فاشل. لماذا يستوعب لبنان ألوف الأيدي العاملة الأجنبية ولا يستوعب مواطنيه في حقول العمل والانتاج والابداع.
ونحن كحزب ديمقراطي إجتماعي، لطالما ناضلنا في سبيل القضايا الاجتماعية لأن حب الأوطان لا يمر فقط في العاطفة إنما في توفير الحياة الكريمة للمواطن. وقد يكون العمل الانمائي حجر الأساس لدور الكتائب في هذه المنطقة العزيزة.
واليوم أكثر من أي يوم مضى، نشعر بوطئة بطالة شبابنا وشاباتنا. فالنزوح السوري بات عبئاً ثقيلاً على لبنان حيث تجاوزت نسبته الـــــــ 40% من نسبة عدد سكان لبنان. إن بلادنا لا تستطيع لأسباب وطنية وكيانية وامنية واقتصادية وانسانية أن تتحمل وجود شعب ثالث على أرضها. واذ اختلفنا على موقفنا من الحرب السورية فعلى الاقل لنتفق على موقف موحد حيال معالجة النزوح السوري على اراضينا.
في هذا المجال نرى أن العلاج المباشر هو اقامة منطقة آمنة حدودية داخل الاراضي السورية حيث تبنى عليها وحدات سكنية لائقة بحياة الانسان تشرف عليها الأمم المتحدة ويضمن أمنها المجتمع الدولي. إن وجود النازحين على أرض وطنهم يحفظ الامل بوحدة سوريا بعد انتهاء حربها المتعددة الطبقات.
أيها الرفاق
إني سعيد بوجودي معكم هنا. وإذ تدشنون هذا المركز فلكي تكونوا في خدمة لبنان عموماً وخدمة الجنوب خصوصاً.
وجود الكتائب هنا شهادة لنا بأننا حزب على مساحة الوطن، وشهادة لأبناء الجنوب بأنهم منفتحون ويؤمنون بالتعددية السياسية والحزبية. وأساسا لم تفهم الكتائب يوما دورها في الجنوب الا رسالة ميثاقية. معاً كنا ومعاً سنبقى ليبقى الجنوب ولبنان.