Back to Lectures

إدارة الأزمة العالمية في الشرق الأوسط: المقتضيات والبدائل

2016-10-07


إدارة الأزمة العالمية في الشرق الأوسط:
المقتضيات والبدائل

أمين الجميّل
رئيس الجمهورية اللبنانية 1982-1988

جامعة كايس وسترن ريزرف
كليفلاند، أوهايو، الولايات المتحدة الأميركية
7 تشرين الأول 2016

المحتوى:
 مقدمة
 المقومات التي تجعل من أزمة الشرق الأوسط أزمة عالمية
 المقتضيات والبدائل
 خاتمة

مقدمة
شكراً. إنه لشرف لي أن أكون بينكم اليوم في جامعة كايس وسترن ريزرف، هذه المؤسسة العريقة في أوهايو. وأودّ في هذه المناسبة الخاصة أن أوجّه شكري العميق إلى مدير الشؤون الدولية في الجامعة، الدكتور الموقّر ديفيد فلاشلر، وإلى أعضاء هيئة التدريس في مركز الشؤون الدولية وموظفيه وطلابه، وبخاصة السيدة كامي روس، على حسن استقبالهم. واسمحوا لي أن أنوه بشعار المركز: "نشكّل جسرا بين جامعة كايس وسترن ريزرف والعالم."
في الحقيقة، إن كلمتي ستحقق الهدف المتواضع المتوخى منها، إذا ساهمت أفكار كاتبها الشخصية – وهي ليست بأيّ حال من الأحوال علمية أو فلسفية- بلُبنة أو لُبنتين في بناء هذا الجسر من التفاهم المتبادل الذي يبدو أن العالم في أيامنا هذه بأمسّ الحاجة إليه.
سيداتي سادتي،
إسمحوا لي أن أبدأ بالتأكيد على واقع بات جليا: أصبح الشرق الأوسط منطقة غير مستقرة ومنطقة تتسبب بزعزعة الاستقرار العالمي. واعتقد أن العوامل الرئيسة التي ساهمت في إرساء هذا الواقع متعددة، أهمها:
- اشتداد حدّة الحروب الباردة والساخنة بين القوى السنية والشيعية الرائدة في المنطقة.
- تنامي الدول الفاشلة بينها العراق وسوريا وليبيا واليمن.
- الانتشار الإقليمي والعالمي لعقيدة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.
- النزاعات الناتجة عن تدفق أعداد هائلة من اللاجئين إلى المنطقة وخارجها.
- غياب الحوكمة الفعّالة.
- تداعي الربيع العربي الذي شكّل عند اندلاعه بارقة أمل حظيت على إجماع عابر، إلا أنه عندما لم يُحسن الإفادة منها، سرعان ما حل مكانها في جميع الدول تقريبا اليأس والصراع.
- التنافس بين المحدّثين العالميين والتقليديين الدينيين على استقطاب ما تبقى من الحركات الإصلاحية.
- تقلص المساحات الاجتماعية التي كان يسودها احترام التعددية ولاسيما التنوع الديني.
- التدخلات السياسية والعسكرية الغاشمة لقوى غير عربية –وبخاصة إيران- في الشؤون الداخلية والخارجية للدول العربية والتي أدت إلى زعزعة استقرارها.

من وجهة نظري، أعتقد أنه يجب تصنيف أزمة الشرق الأوسط كأزمة عالمية وذلك لأسباب ثلاثة. السبب الأول هو انخراط جميع القوى الرئيسة فيها بشكل أو بأخر، إذ أسفرت عن تدخل عسكري مباشر وبري لكل من الولايات المتحدة وروسيا، وهما القوتان العظمتان اللتان خاضتا حربا باردة وعضوان دائمان في مجلس الأمن بالأمم المتحدة.
السبب الثاني لاعتبار أزمة الشرق الأوسط أزمة عالمية يكمن في امتداد رقعة تداعياتها المزلزلة، لاسيما لجهة التدفق الهائل للاجئين إلى أوروبا. جاء في "مذكرة للمعارضة" صدرت عن وزارة الخارجية الأميركية وسُربت قبل بضعة أشهر:
"أرخت هذه الأزمة بثقلها على جيران سوريا وستستمر تداعياتها لسنوات طوال، وها هي اليوم تؤثر على شركائنا الأوروبيين تأثيرا سيطول أمده، وقد يهدد في نهاية المطاف طابعها كمجتمعات منفتحة وموحدة وديمقراطية ".
وقبل أن يجفّ حبر هذه الكلمات، صوتت بريطانيا، كما يعلم جيدا جمهورنا الكريم، لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، في خطوة تعدّ زلزالا سياسيا سيلقي بمستقبل الاتحاد الأوروبي في غياهب المجهول.
أما السبب الثالث، فاعتقد أن أزمة الشرق الأوسط هي أزمة عالمية لأن الصيغة التي ستعتمد لحلّها ستساهم في تحديد طبيعة النظام العالمي الجديد في مستهل القرن الحادي والعشرين والذي قد يسود العالم لوقت طويل.
نشهد اليوم في الشرق الأوسط صراعا بين ثلاثة مفاهيم للنظام العالمي: النظام العالمي الليبرالي والذي يقوم على احترام الحرية وحقوق الإنسان، والنظام العالمي الاستبدادي والذي يعطي الأولوية للأمن على حساب كل شيء آخر، والنظام العالمي -و بالأحرى الفوضى- من منظور داعشي، والقائم على التطرف الديني والقتل والعبودية (بينها استعباد الأطفال جنسيا).
للأسف، في ظل تمركز الأزمة في الشرق الأوسط من دون أن يعني ذلك انحصارها فقط في هذه المنطقة من العالم، يُظهر العالم الليبرالي ضعفا يحجب الرؤية ويحبط مبادرات العديد من قادته السياسيين والمفكرين.
إن عجز العالم الليبرالي يظهر أكثر ما يظهر في ردود فعله المترددة والجامدة وغير المنسقة والمتقطعة حيال طبيعة التحدي الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
كمواطن من لبنان الذي يعدّ جبهة أمامية في الصراع الفكري ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام، أجد غياب الوعي لدى العالم الليبرالي تجاه فداحة وجود هذا التنظيم وضعف التدابير المتخذة لمواجهته

محيرا وخطرا، علما أن التاريخ الحديث يحمل في طياته عبرا حول جسامة هكذا خطر ودروسا عن التدابير الواجب اتخاذها لمواجهته.
بالنسبة إلى ظاهرة الإرهاب بشكلها المعاصر وبخاصة الإرهاب الذي يتغذى من التطرف الديني ويجد جذوره فيه، لم يعان بلد من تداعياته المدمرة أكثر مما عاناه لبنان. فبعد أن تعرّض للسعاته المؤذية، حاول المسؤولون اللبنانيون منذ الثمانينات تحذير العالم مما قد ينتظره في حال لم يواجهه بسرعة وعلى جبهات متعددة.
وخلال زيارة رسمية قمت بها إلى بريطانيا عام 1983، تناولت خطر الإرهاب قائلا:
"سيمتدّ قريبا لهيب نار المحنة التي يعاني منها شعب لبنان إذا لم يتمّ تداركها، وسيطال جميع أنحاء العالم العربي والشرق الأوسط...وستجد الدول الأوروبية نفسها مهددة بوجودها ونمط حياتها، ما سيؤدي إلى نزاع أوسع إلا إذا بادرنا إلى التحرك لدرء هذا الخطر. إن أخذ مجازفات صغيرة اليوم سيغنينا مستقبلا عن الاضطرار إلى أخذ مجازفات أكبر" .
وبالعودة إلى الحاضر، ما هي طبيعة الخطر الذي يشكله تنظيم داعش؟ من وجهة نظري، إن فداحة الأزمة التي تسبّب بها تنظيم داعش في الشرق الأوسط، يجعل منه خطرا يتهدّد الحضارة نفسها، وبالتأكيد لأسباب تتخطى كونه منظمة إجرامية.
ولدت وعشت في بلد صغير هو لبنان، استوعب كل التوجهات العربية والشرق أوسطية والعالمية أكانت تداعياتها إيجابية أو سلبية. انخرطت في الشؤون السياسية للشرق الأوسط على المستويين الوطني والإقليمي لأكثر من نصف قرن. خدمت كبرلماني في زمن السلم وكرئيس في زمن الحرب. كنت رئيسا لمؤسسة بحثية دولية ولأقدم حزب سياسي في العالم العربي. وخلال تولي هذه المناصب كافة، سافرت كثيرا وزرت جميع الدول في الشرق الأوسط وبعضها مرات عدة على مدى عقود.
وبالنظر إلى مساري المهني، أستطيع أن أجزم بحزن وبخوف أنه لم يسبق لي خلال مسيرتي السياسية أن شهدت الحضارة العربية تواجه مثل هذا الخطر الجسيم. لو قدّر لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أن ينجح في القضاء على وجود مجتمعات برمتها وتاريخها –وهذا ما يهدف إليه-، فسيكون ذلك فاتحة لعصر ظلامي جديد.
ما زال تنظيم داعش موجودا في منطقة استراتيجية على الرغم من أنه فقد مناطق مهمة كان يسيطر عليها، وهناك سلسلة من المقاربات والاستراتيجيات التي يجب اعتمادها لاحتوائه والقضاء عليه.

لا بدّ من الإشارة بداية إلى ضرورة استخدام القوة العسكرية والعمل الاستخباراتي لدحر تنظيم داعش والجماعات الموالية له. إلا أنني اعتقد أنه على المدى الطويل، لا يمكن لمعارضي هذا التنظيم وأفكاره أن يعتمدوا فقط وكوسيلة أولى على العنف المنظّم لمواجهته.
على قادة العالم الليبرالي ومفكريه عوضا عن ذلك، الانكباب على وضع وتنفيذ استراتيجيات وخطط تؤسس لإنشاء أنظمة تعليمية وأعراف ثقافية جديدة تقوم على احترام التعددية والتنوع والحداثة. اسمحوا لي أن أخصص ما تبقى من كلمتي لاستعراض بعض من هذه الاستراتيجيات والخطط.

مقتضيات الأزمة العالمية وبدائلها
على الرغم من الاضطرابات السائدة، أنا على قناعة بقدرة العالمين العربي والإسلامي على تحقيق الحداثة التي ينشدانها، وبخاصة في المجالات الاجتماعية والحوكمة السياسية. ويمكن اعتبار تجربتي تونس ولبنان في هذا الإطار، بارقة أمل.
على الرغم من أن المجتمع التونسي عانى في فترة من تاريخه من غياب الديمقراطية السياسية وبخاصة في ما يتعلق بتداول السلطة، تمكّن في عهد الرئيس حبيب بورقيبة من إجراء إصلاحات تربوية ازدهرت في ظلها المدارس والجامعات.
وضعت تونس على رأس أجندتها الوطنية قضية المساواة بين الجنسين التي يُعتبر إنجازها شرطا أساسيا للتنمية الحديثة، كما حافظت على نبض المجتمع المدني ومنحت دورا رائدا للنقابات العمالية.
وكما تونس بعد الربيع العربي، يمكن اعتبار التجربة اللبنانية تجربة ناحجة جزئيا على الرغم من تعرض لبنان لانتهاك سيادته في صورة هجمات نفذتها قوى خارجية كمنظمة التحرير الفلسطينية أو قوى داخلية تعمل بشكل فاضح لصالح سوريا وإيران.
منذ عقد مضى، كان لبنان يسير نحو التعافي المادي والمعنوي والروحي وبدأ بتخطي تداعيات سلسلة النزاعات الداخلية التي عانى منها والتي ساهمت قوى خارجية وإلى حدّ كبير في تأجيجها. وبقي على هذه الحال حتى اندلعت حرب مدمّرة جديدة مع إسرائيل.
بعد ذلك، بدأ لبنان ولم يزل يعاني من الارتدادات المتعاقبة للنزاع السوري، أهمها التدفق الهائل للاجئين. ومع ذلك، بقي لبنان متمسكا بدوره كمساحة للتسامح والديمقراطية.
لكن الاستقرار في لبنان وتونس لن يصمد وسط الفوضى العارمة التي تجتاح المنطقة كما لو كانا جزيرتين معزولتين عن محيطهما. خرجت الدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الأولى محطمة وكان لا بدّ من شراكة دولية لإعادة إنعاشها. لبنان وتونس وغيرها من الدول العربية بحاجة لهكذا جهد دولي يساهم في ترسيخ ما تحتاجه من إصلاح سياسي وحكومي واجتماعي.

بالنسبة إلى لبنان، تبقى الأولوية هي المحافظة على استقراره الهش في وقت يواجه أزمة التعامل مع نحو 1.5 مليون لاجئ سوري. بالمقارنة مع عدد السكان في لبنان الذي يبلغ 4.5 مليون نسمة، يوازي وجود هذا الكم من اللاجئين السوريين على أراضيه وجود 107 مليون لاجئ في الولايات المتحدة، مع ما يسلتزم ذلك من عبء تزويدهم بالغذاء والمسكن والعمل والتربية والخدمات الأساسية كافة.
لذلك وبالتوازي مع إمداد اللاجئين بالمساعدات القصيرة والمتوسطة الأمد، لا بدّ من وضع برنامج لتطوير البنى التحتية الاقتصادية وتعزيز قدرات الحكومة في الدول المضيفة للاجئين وبينها لبنان.
ما يحتاجة لبنان وسائر "الدول المضيفة للاجئين" أكثر من المساعدات الدولية والثنائية التي تقدم لهم، هو أن يعمل المجتمع الدولي في إدارته للأزمة العالمية في الشرق الأوسط على فرض وتيرة سريعة لتسوية الأزمة السورية.
إن جمهورنا الكريم يعي مدى تعقيدات الحرب في سوريا وتاليا الصعوبات التي تواجه وضع حدّ لها، ولذلك لن أخوض في هذا الموضوع بشكل مفصّل، إلا أن في جعبتي بعض الملاحظات حول ما اعتبره العامل الحاسم في هذه القضية، وهو التنسيق الأميركي-الروسي والتعاون بينهما.
على الرغم من السقطات والإخفاقات التي ميزت بشكل واضح عمل إدارة الرئيس باراك أوباما، اسمحوا لي أن أثني على مقاربة هذه الإدارة للأزمة السورية وأشيد بجهود وزير الخارجية جون كيري للعمل مع نظيره الروسي لتثبيت اتفاقات الهدنة التي قد تمهد الطريق لحل سياسي شامل.
على الرغم من التباينات العميقة بينهما حول الشأن السوري، يبدو أن واشنطن وموسكو متفقتان على ضرورة إبقاء البلاد موحدة، غير مقسّمة ومتكاملة، تحت إدارة حكومة مقرّها دمشق. قد تسمح هذه السمة من التوافق الروسي الأميركي بنسج السلام، لاسيما إذا استغلت بمهارة ديبلوماسية وعزيمة وإصرار.
بكلمة واحدة، من الممكن للديبلوماسية أن تنجح كما يمكن عبر آلياتها إنقاذ بلدان ومناطق بأكملها من آتون الحرب. كل حرب يجب أن تنتهي، هو عنوان دراسة أكاديمية رائدة حول إنهاء الحرب، ويمكن تطبيق هذه الحقيقة الأساسية من فن الحكم على سلسلة الحروب التي تشكّل مجتمعة الأزمة العالمية في الشرق الأوسط.
وبالتالي، حين نفكر في المقاربات الممكنة لإدارة هذه الأزمة، علينا بالعزيمة نفسها التفكير في مرحلة ما بعد الحرب لجهة إعادة الإعمار والإصلاح، حتى ولو كان تركيزنا منصبا على الأهداف الأكثر إلحاحا لإدارة النزاع. لهذا السبب، أنادي منذ سنوات بوضع برنامج إصلاح شامل تحت مسمى "خطة مارشال العربية".

إن خطة مارشال العربية ليست مخططا تفصيليا يحدد التمويل اللازم والمقاييس والجداول الزمنية، بل هي برنامج يبلوره العالم الليبرالي لخلق قوة معارضة ووسطية في مواجهة داعش والجماعات المتطرفة الأخرى.
تهدف الخطة إلى مكافحة التطرف عبر تفعيل مجموعة من التدابير المتشابكة، بينها ما يمكن أن نسميه "الوسطية الملهمة"، وإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية وأنظمة جديدة للحوكمة سواء محليا أو على مستوى التعاون الإقليمي.
في ظل شرق أوسط مضطرب ومُزعزع للاستقرار العالمي، تعتبر الوسطية الملهمة حيوية لأنها تساعد في دفع المجتمعات العربية إلى اعتناق الفكر الديمقراطي كخطوة تمهيدية في طريق إرساء الحوكمة الديمقراطية.
أما التنمية الاقتصادية، فهي جوهرية لأنه من الصعب أن يحتضن الناس حقوق الإنسان إذا كانوا يعانون من البطالة ويفتقرون إلى الفرص والخدمات الأساسية مثل الكهرباء والتعليم والرعاية الصحية.
وينسحب الأمر نفسه على أهمية وضع أنظمة جديدة للحوكمة، لأنه كما قال أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، "قد تقتل الصواريخ الإرهابيين، لكنّ الحوكمة الرشيدة تقتل الإرهاب".
إن حجر الأساس لخطة مارشال العربية هو كما كان الحال مع خطة مارشال الأصيلة، الشراكة الحقيقية والتعاون المتين. في الوضع الراهن، بين المجتمع الدولي الديمقراطي والمجتمع العربي الديمقراطي يوجد قوة تغيير كامنة من الممكن لها أن تصبح فاعلة.
استنادا إلى سنوات طوال من التجارب والمعرفة في خبايا العالم العربي، أنا على قناعة أن وحده برنامج كخطة مارشال العربية قادر على إنقاذ العالم العربي من تداعيات الدول الفاشلة وأثر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وذلك من خلال المساعدة على إنشاء بديل قابل للحياة: "دول المواطنة".
ما يميز دولة المواطنة وبشكل كبير العناصر التالية:
• رفاهية الفرد هي الهدف الأسمى.
• هناك فصل للسياسة عن الدين
• السلطة التنفيذية شفّافة، تحترم المعارضة والرقابة التي تمارسها عليها وسائل الإعلام وتخضع لمساءلة البرلمان
• الانتخابات على جميع المستويات حرّة وتنافسية
• القضاء مستقل

• التعددية مزدهرة وتتجسد في المساواة بين الجنسين والتسامح الديني واستقلالية المجتمع المدني والتعبير الثقافي.
من وجهة نظري، اعتقد أن وحدها دول المواطنة قادرة على تخطي التحديات المعقدة لما سماه الديبلوماسي الأميركي هارولد سوندرز "قرن المواطنين". في مطلع القرن الحادي والعشرين، قدم سوندرز هذا التحليل النيّر:
" بدأ عصر جديد تواجه فيه الحكومات أكثر فأكثر مشاكل تعجز عن حلها، وتزداد في المقابل فرص المواطنين خارج الحكومة أكثر فأكثر لملء هذا الفراغ".
في اعتقادي، إن الطريق نحو بناء دول المواطنة تتسم بثلاث مبادرات تجذب بخاصة الشباب: أولا، إدخال تحسينات على قطاع التعليم تشمل استخدام أحدث تكنولوجيا المعلومات، ثانيا، إنشاء وسائل إعلام جديدة تكون شريكة في مسار التحول نحو الديمقراطية وثالثا، التنمية الاقتصادية-الاجتماعية.

خاتمة:
سيداتي سادتي، أشكركم على منحي هذه الفرصة لمشاركتكم أفكاري حول إدارة الأزمة العالمية في الشرق الأوسط. أودّ أن أختم كلمتي ببعض الملاحظات، أتمنى أن تكون مفيدة للشباب الذين يشكلون جوهر هذا الحرم الجامعي والهدف من وجوده ويمنحونه القوة، كما بالنسبة إلى كل الجامعات الأخرى.
في القرن التاسع عشر، كانت المؤشرات التقنية للتغير الاقتصادي والسياسي هي مداخن المصانع وخطوط السكك الحديدية وأسلاك التلغراف. وعلى الرغم من أن هذه الإبتكارات ساهمت في تغيير المجتمعات وحياة الأفراد، إكتفى عامة الناس بالإفادة منها دون أن يمارسوا أي سلطة فعلية عليها.
في القرن الواحد والعشرين، اختلف المشهد تماما. باتت تكنولوجيا هذا العصر والمتمثلة في أجهزة التواصل اليدوية في متناول شريحة واسعة من الناس، يستخدمونها يوميا لأغراض متنوعة بينها مقاومة تسلط الحكومات وقمعها.
وأثبت الربيع العربي أن الشباب العرب يجيدون استخدام تكنولوجيا المعلومات، ما يشير إلى أن المبادرات الفردية ومعها الحريات الشخصية ستنتصر في نهاية المطاف.
لهذا السبب، وعلى الرغم من الفظائع التي نشاهدها في نشرات الأخبار –والتي باتت بالنسبة لنا، نحن سكان منطقة الشرق الأوسط، خبزنا اليومي-، أبقى متفائلا أننا، أي العالم الليبرالي، سنستعيد بوصلتنا وننتصر في

المهمة الجسيمة الملقاة على عاتقنا وهي التضييق على تنظيم داعش وأمثاله لدحرهم في نهاية المطاف.
ما سيمكننا من تحقيق هذا الهدف هو تمسك قوى الحضارة الإيجابية –المتمثلة بشكل كبير بالمؤسسات التربوية العريقة ككايس وسترن ريزرف- بالقيم والمبادئ الإنسانية الجوهرية، التي لن يتمكن الإرهابيون من تدميرها على الرغم من كل الفظائع التي يرتكبونها في مناطق سيطرتهم وغيرها من الأماكن، من خلال هجمات مروعة تنفذها خلايا إرهابية أو أفرادا أوقعوا أنفسهم في فخ التطرف.
شكرا لكم