Back to Lectures

"وقاية الشباب من التطرف"

2016-12-05

"وقاية الشباب من التطرف"
كراون بلازا، بيروت، 5 كانون الأول/ديسمبر 2016

اسمحوا لي أولا أن أرحب بالمشاركين في هذا المؤتمر من متحدثين وخبراء وطلاب وأن أشكر مؤسسة كونراد أديناور على تعاونها في تنظيم هذا المؤتمر.
في منطقة تبلغ فيها نسبة الشباب 60% من إجمالي عدد سكانها، وفي ظل ما تشهده من حروب ونزاعات وتفشي ظاهرة الحركات الردكالية الدينية والسياسية وتزايد خطر الفكر الديني المتشدد وهيمنة خطاب الكراهية، وفي ضوء الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز هذه الظاهرة من خلال نشر العقيدة المتطرفة والدعاية لها، نجتمع اليوم لمناقشة سبل وقاية الشباب من الإنزلاق في أتون هذا الفكر المتطرف أكان دينيا أم سياسيا أم عقائديا.
في 11 كانون الأول من عام 2015 ، وفي إطار جهوده الرامية إلى البحث في القضايا الشائكة التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط، عقد بيت المستقبل مؤتمرا بعنوان "طرق مبتكرة لمواجهة التطرف العنفي". إضافة إلى مشكلة عدم التوافق حتى الأن على تعريف موحّد للإرهاب، من أهم التحديات التي ألقى المشاركون في هذا المؤتمر الضوء عليها هو عنوان المؤتمر نفسه، "مكافحة التطرف العنفي"، متسائلين وماذا عن مكافحة التطرف غير العنفي؟ هل التحريض على الكراهية ينحصر بالتطرف العنفي وحده أم يشمل التطرف غير العنفي؟. وانسحبت المناقشات إلى تحديد أهداف مبادرات مكافحة التطرف: هل الهدف منها هو منع السلوك العنيف والأعمال الإرهابية أم أنه مكافحة الفكر المتطرف وتحصين الناس لاسيما الشباب بينهم لعدم الوقوع في براثنه؟ بمعنى آخر هل الهدف هو تغيير السلوك أو تغيير المعتقدات، هل المستهدفون من مبادرات مكافحة التطرف العنفي هم الذين لم يعتنقوا بعد الفكر المتطرف أم الذين اعتنقوه لكنهم لم ينخرطوا بأعمال عنفية أم الذين اعتنقوه وتورطوا فعليا بالإرهاب؟ لا شكّ أن على مبادرات مكافحة التطرف أن تعمل على هذه الجبهات كافة ولكن الخطوة الأولى تبدأ بالعمل الوقائي لاسيما بين صفوف الشباب لتنشئة جيل محصن ضد الغلو وقادر على انتهاج الفكر النقدي.
نعلم جميعا أن ظاهرة التطرف وليدة أسباب وعوامل خارجية وداخلية متعددة تجعل من الصعب رسم صورة نمطية واحدة تحدد شخصية المتطرف. على الرغم من ذلك ومهما اختلفت أسبابه، بإمكاننا القول أن التطرف لا ينمو إلا ضمن بيئة حاضنة له. بتنا ندرك اليوم أنه لا يجوز رؤية خطر التطرف من عدسات أمنية فقط وأن محاربته لا تتطلب تحقيق انتصارات في ساحات المعارك فحسب بل أيضا في تغيير العقليات وإطلاق ورشة إصلاحات تبدأ بتحقيق الحوكمة الرشيدة واعتماد سياسات للتنمية وتحديث البرامج التربوية ومراجعة الخطاب الديني الإسلامي بما يضمن انفتاحه على الثقافات الإنسانية.
اليوم، التطرف الديني الإسلامي في منطقتنا ومفاعليه الدولية تحت المجهر. غدا، سيواجهنا خطر التطرف العقائدي المضاد الذي بدأت ملامحه تظهر في الدول الغربية حيث كراهية الأخر تزداد عمقا والفكر اليميني المتطرف بدأ يطغي على الفكر الليبرالي. دخل العالم اليوم حقبة مشوشة ولا يضاهي غموض انتشار وباء التطرف أكان دينيا أو سياسيا أو فكريا، سوى غموض التحالف الدولي ضده والذي يضمّ الديمقراطيات الليبرالية والديكتاتوريات الاستبدادية والمجتمعات الدينية المحافظة، حتى بتنا لا نعلم من يقف إلى جانب من ومن يحارب من.
مؤتمر اليوم يهدف إلى الخروج عن التقليد. بقدر ما يسعى إلى توعية الشباب على مخاطر التطرف بجميع أشكاله وتعريفهم بآليات وسبل مكافحته، يهدف إلى الاستماع إليهم وإلى هواجسهم وإلى رؤيتهم للمستقبل الذي ينشدون. عاش جيل أبائنا حروب التحرر من الاستعمار والانتداب، وعاش جيلنا حروبا أهلية تقليدية اعتقد كل طرف فيها أنه يناضل لقضية ما. أما جيل اليوم، فقد وجد نفسه في خضم حرب غير تقليدية لأنها دون قضية، أهدافها عبثية وغير محددة الملامح، وسلاحها غسل الأدمغة ووسيلتها التكنولوجيا الحديثة. نحن أمام حرب فكرية بامتياز مهّدت لها عقود من السياسات الفاشلة، عجزت عن بناء دول حديثة تشكّل فيها المواطنة الهوية التي تجمع بين الناس مهما اختلفت مشاربهم. اليوم أصبح الدين يشكل معيارا للهوية عند الشباب ودفع بالهوية الوطنية إلى التراجع. بسبب التطرف الفكري بعامة والتطرف الديني بخاصة، فقدنا شريحة كبيرة من شبابنا أما موتا في سبيل وهم كبير وأما لأنهم وصلوا إلى مرحلة من التورط بات معها إنقاذهم مستحيلا. مهمتنا اليوم هي كسب من تبقى منهم لأنهم بقدر ما يمثلون بالسنبة لنا المستقبل، يمثلون للمتطرفين الحقل الذي يمكن التصيّد فيه.
اتمنى أن يخرج هذا المؤتمر بما يضع حجر الأساس لهذه المهمة الصعبة ولكن الحيوية.