Back to Lectures

"الانهيار الجتماعي والسياسي في لبنان وشروط النهوض"

2019-03-08

كلمة الرئيس أمين الجميّل
في إفتتاح ندوة
"الانهيار الجتماعي والسياسي في لبنان وشروط النهوض"
كلية العلوم الاجتماعية – الجامعة اللبنانية – الرابية
8 آذار 2019
***
عندما تتداعى أسس البيت تنهار جدرانه، وعندما تتداعى الأسس التي قام عليها الوطن تتشظى معها الدولة وتنهار بكل مقوماتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فهل من المبالغة وصف المرحلة التي نعيشها بالانهيار؟ القصد ليس المزيد من الإحباط والتراجع بقدر ما هو الحث على التبصر بأحوالنا في وقت باتت فيه السياسة تطغي على أمور أخرى قد تكون أكثر أهمية وأشد تأثيراً على حال البلاد والعباد.
وأي مكان أفضل من الجامعة اللبنانية لمحاولة الإلمام بمشاكلنا وقراءتها قراءة موضوعية بهدف إيجاد الأطر الصحيحة لمعالجتها؟
في الواقع، ليس مستغرباً بعد سنوات طويلة من النزاعات والحروب والاحتلالات والاغتيالات والفراغات السياسية التي وسمت أكثر من نصف قرن من تاريخ لبنان الحديث، أن يصاب الاجتماع اللبناني بأكثر من علة ووهن. فالعلاقة بين السياسة والاجتماع هي علاقة تفاعلية، إذا وهنت الأولى وهن الثاني وكلما كانت الأولى متماسكة ورشيدة كان الثاني متماسكا ورشيدا.
واضطراب السياسة أصاب أول ما اصاب خلية المجتمع الأولى والأساس في تماسكه، العائلة. وفي اعتقادنا أن اهتزاز العائلة طال المجتمع برمته، فبدأنا نشعر بهشاشته أو أقله أن وضعه معتل وغير صحي.
إضافة إلى تأثيرات الأحوال السياسية والأمنية، جاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتضغضع العائلة أكثر وتزيد من خلل المجتمع اللبناني.
ولا أنكر بقولي هذا إيجابيات التكنولوجيا الحديثة وفوائدها الجمة، إنما أيضاً لا بد من التنبه إلى دورها السلبي في إضعاف تماسك العائلة، والعائلة لا سيما في مجتمعات على غرار لبنان لا تزال هي أساس الاجتماع ولبنته الأولى.
ولا يسقط من حساباتنا في هذا السياق دور التربية في بناء التماسك الاجتماعي وبالتالي تدعيم التماسك الوطني. وللأسف، لا بد لنا من الاعتراف أنه وسط الأمواج والأنواء التي تعصف بالبلاد منذ سنوات، انصب اهتمامنا على السياسة والأمن والأحوال المعيشية وأهملنا التربية. وجاءت عواقب هذا الإهمال وخيمة طالت العقول والنفوس، وباتت الأجيال الصاعدة تقرأ في كتب مختلفة تعزز الانتماءات الفرعية والعصبيات الضيقة على حساب الانتماء الوطني الجامع. فظهرت شقوق عميقة في المجتمع لا أبالغ إذ أقول أنها تهدد وحدة الكيان ووحدة الوطن.
سياج الوطن سلسلة من الحلقات المتماسكة إذا ضعفت واحدة منها أثرت على سائر الحلقات: إذا تضعضعت السياسة اهتز الاقتصاد وإذا اهتز الاقتصاد وهن الاجتماع ووسط هذا الصعف وذاك الاهتزاز والوهن، تتداعى التربية والصحة وسائر الخدمات.
من هنا يبرز دور الحوكمة الرشيدة التي دونها لا سبيل إلى الخروج من النفق الذي نمر به منذ سنوات حتى بتنا مثل أعمى يقود أعمى ويقعان معاً في حفرة.
نؤكد مرة جديدة على دور الجامعة الوطنية في تصويب الأمور كما نؤكد مرة جديدة أيضاً على أهمية العلاقة بين الجامعة ومراكز البحوث التي ينبغي أن تكون تبادلية في الاتجاهين حيث أن الطلبة الجامعيين يشاركون في أنشطة مراكز البحوث كما مراكز البحوث تستفيد من الخبرات والكفاءات الجامعية.
في النهاية آمل أن تضيء هذه المساحة من النقاش شمعة في الظلمة التي تحيط بنا، وتفتح الباب أمام حلقات وأنشطة مستمرة بين "بيت المستقبل" و"الجامعة اللبنانية".