Back to Lectures

كلمة الرئيس في ذكرى 14 آذار 2011

2011-03-13

خطاب 14 آذار في 13 آذار 2011

 

أردتموها انتفاضةً فصارت ثورة، وأردتموها ثورةً فصارت نَموذجاً. إنها ثورةُ الأرز، أنتم الحاضرونَ هنا، والحاضرونَ بالأمسِ وكلّ يوم، يناديكم صوتُ الحرية وروحُ الشهداء.

جئتُ اليوم، لأرى بيار وأنطوان ورفيق وسائر شهداء ثورة الأرز. هذه ساحتُهم، وهذا يومُ عودَتِهم.

لم تعُد الكتائب الى هنا اليوم، فالكتائب لم تغادر هذه الساحةَ منذ سنة 2005. على الثوابتِ بقيت صامدةً، وعلى المبادىءِ ثابتةً، وبقيت لوعدِ الشاباتِ والشبابِ وفيّةً.

شعارُ ثورةِ الأرز سنة 2005 كان حريةَ لبنان، أمّا شعارُ اليوم فهو وحدةُ لبنان. ومثلما لم تتحقق الحرية من دون انسحابِ الجيش السوري وسقوطِ نظامِ الوصاية الأمني، فالوحدةُ اللبنانية لن تتعزز من دونِ حلِّ موضوعِ السلاح غير الشرعي. وكلُّ سلاحٍ خارجَ مؤسّساتِ الدولة هو سلاحٌ غيرُ شرعي أيّاً كانت جنسيّتُه وأياً كان مصدرُه.

لا نطرحُ موضوعَ السلاحِ لاستعداء طرف، بل من أجلِ إنقاذ لبنان وبناءِ الدولة. حَملوا السلاحَ بدايةً لمقاومةِ إسرائيل، ثم احتفظوا به لإقامةِ دويلةٍ خاصة، ثم استعملوه في الداخلِ ليُرهِبوا شركاءهم في الوطن، وها هم يحتكمونَ إليه للسيطرةِ على الدولةِ اللبنانية. إنهم يريدونَ تحويلَ لبنانَ من دولةِ القانون إلى دولةٍ تواجهُ العدالة. كم مضى وقتٌ على حزبِ الله لم يستعمل فيهِ كلمةَ إسرائيل؟ هـمّهُ بيروت ولاهاي. تناسى إسرائيلَ والتحريرَ ومزارعَ شبعا وتِلالَ كفرشوبا وغربيَّ الغجر والخطَ الأزرق.

فيا شعبَ ثورةِ الأرز: قوّوا النَبَض، شدّوا العصَب. إنْ همْ الانقلاب، فنحن الثورة. نحنُ لا نخافُ السلاح، بل دولةَ السلاح. لا تُزعِجُنا المقاومة، بل الحربَ المفتوحة. لا نتحفّظُ عن الديمقراطيةِ التوافقيّة بل عن الانقلابِ على الديمقراطية. ولا نأبى حكمَ الأكثرية النيابية، بل حكمَ الأكثرية الجبريّة.

       لسنا هنا قوةَ تحدٍّ، بل لقاءُ لبنانيين يحلُمون بلقاءِ سائرِ اللبنانيين.      لسنا هنا للقيامِ بانقلابٍ، بل لإجهاضِ الانقلابِ الحاصلِ، وإعادةِ النظامِ اللبناني إلى مسارِه الديمقراطي. لسنا هنا لنتّهمَ الأبرياءَ باغتيالِ أبنائِنا، بل لمعرفةِ القتلةِ الحقيقيين من خلالِ المحكمةِ الدولية دونَ سواها. لسنا هنا للظلمِ بل للعدالة. لسنا هنا لنقسّمَ الساحات ونعزّزَ الاصطفافات، بل لنوحّدَ الساحات ونتخطّى الاصطفافات. فطالما وُلِدْنا معاً، وما دُمنا سنموتُ معاً، فلماذا لا نعيشُ معاً؟ لسنا هنا لنمحو ما صنعهُ الآباءُ والأجدادُ والشهداءُ، كلّ الشهداء، بل لنجدّدَ عهدَ الوفاء لهذا الكنزِ الوطني العظيم الذي تركوه لنا.

       إن لبنانَ اليوم يمرُّ في حقبةٍ جديدةٍ تترافقُ مع موجةِ تغييراتٍ مجهولةِ المصيرِ والأهدافِ في العالم العربي، وقد تَبلُغُ شظاياها مختلف دولِ المنطقة. وإذ نؤيّدُ ثوراتِ الشعوب وحركاتِ التغييرِ والتقدّمِ ومشاريعَ التحرّرِ، نخشى أن تسقطَ ثورةُ الشعوبِ العربية في الحروبِ الأهليّةِ والصراعاتِ القبليّة والفِتَن الطائفية والإعتداءِ على الأقلّياتِ كما هو جارٍ ضد المسيحيين في مصر والعراق. إن التعدّديةَ في هذه البلدان موجودةٌ لتشهَدَ على التعايشِ بين الأديانِ، وقد نصّ عليهِ الإنجيلُ والقرآن.

       لقد تمكّن اللبنانيون عَبرَ الانتفاضاتِ حيناً وعَبرَ الحوارِ حيناً آخرَ من أن يحقّقوا إنجازاتٍ قلّما حقّقها آخَرون في هذا الشرق. وكلُّ أحلامِ الشعوبِ العربيةِ وأمانيها هي أن تتشبّهَ بلبنان. لقد ربِح اللبنانيون لبنانِ كلّ مرةٍ كان معرضاً للفقدان. بالتضحياتِ، بَنَينا وحدةَ الكِيان والاستقلال والدولة والميثاق الوطني، فلا نضيّعها بالعبثِ والأوهام.

مجرّد أن نتذكّر أمجادَنا، بل معجِزاتِنا، نخشى المجازفةَ بها. بعدَ الحربِ العالميةِ الأولى تحاشينا الذوبانَ ووحّدنا كِيانَ لبنان ودولَتَه. بعدَ الحربِ العالميةِ الثانية تخلّصنا من الانتدابِ وإنتزعنا الاستقلال. أثناءَ الحربِ الباردةِ بنَينا دولةً عصريةً. بعدَ نشؤِ دولةِ إسرائيل وحروبِها إحتَكَمنا إلى الوعيِ الوطني والصداقات فحافظنا على الأرضِ والحدود. بعدَ بروزِ مشاريعَ الوحداتِ القوميّة تمسّكنا بخصوصيةِ لبنان وأنقذنا الاستقلال. بعدَ حروبِ المنظماتِ الفلسطينيّة في لبنان، أسقطنا مشروعَ الدولةِ البديل وحافظنا على وحدةِ البلاد. بعدَ ثلاثةِ عقودٍ من الاحتلالِ والوصايةِ حرّرنا الأرض، وأحيينا النظامَ الديمقراطي، وصيغةَ التعايشِ، وخَطونا نحو القرار الوطني المستقل.

أليست جريمةُ الجرائمِ أن نفرّط بكلِّ هذه الإنجازاتِ العظيمة والمميّزات الفريدة ونُدخلَ لبنانَ في مشاريعٍ لا حياةَ لها وإن أطلّت برأسِها من حينٍ الى آخر؟ هذه الإنجازاتُ معرّضةٌ للخطرِ، وباتت تترنّحُ لكَثرةِ ما أصابَتها سهام. فحذارِ من التعاطي بخفّةٍ وفئويّةٍ مع القضايا الوطنية، ومن مواصلةِ رميِ لبنانَ في سياسةِ المحاورِ وفي مشاريعَ ثوراتٍ وأنظمةٍ باتت هي نفسُها على شفيرِ الهاوية. الانقساماتُ الداخليةُ ليست قدرَنا، والمشاريعُ الإقليميةُ ليست مشاريعَنا، ولعبةُ الأمَمِ ليست لعبتَنا.

إن جيشَ لبنانَ الآخر هو حيادُه الإيجابي. حيادٌ لا يتنكّرُ لحقوقِ الشعوب والتضامنِ معها. إن قوةَ لبنان هي سياسَتُه الحكيمة، ومِنعَتُه هي تأقلُمه مع محيطهِ، لبنانُ ليس جبهةً عسكريةً تخترعُ الحروبَ وتشنُّ الفتوحات. لم ينشأ لبنانُ ليكونَ حلبةً عسكريةً بل مساحةَ حوارٍ بين الحضارات وتعايشٍ بين الأديان. ومثلُ هذا الوطن يحميه جيشُه الوطني ويقظةُ أبنائِه وولاؤهم ونموُّ ثقافةِ السلام.

لبنانَ هو الحريّةُ والكرامة، والاستقرارُ والبحبوحة. لبنانَ هو الوطنُ العنيد أمامَ التحدّيات، لبنانَ هو الوطنُ المؤمن بوحدةِ شعبِه، بدبلوماسيّتِه، بعلاقاتِه وصداقاتِه، لبنانَ هو الدولةُ التي تحترمُ المواثيقَ الدوليةَ والقراراتَ الدولية، وأيُّ خروجٍ عن هذا النهجِ وهذه الثوابتَ يُدخِلُنا في العبثيّةِ والتدميرِ الذاتي.

 لن ندمّرَ ذاتَنا، ولن نسمحَ لأحد بتدميرِ لبنان. نحنُ مصمّمونَ على الاتفاقِ معاً، على تجديدِ الميثاقِ الوطني، فلا يبقى تسويةً بل قاعدةً واضحةً لا لِبسَ فيها ولا مُوارَبة. إن الإتفاقَ الجذري ممكنٌ بل ضروريٌ للحؤولِ دون بلوغِ الأزمات مرحلةَ العنف ... ولأنّنا ضدّ العنف، نحنُ ضدَّ السلاح.

يا أبناءَ ثورةِ الأرز:

لا تتخلّوا عن ثورتِكم. فنحنُ ثورةٌ من أجلِ بناءِ دولةٍ حرةٍ ووطنٍ نهائي وميثاقٍ صادقٍ ونظامٍ لامركزي. نحنُ ثورةٌ من أجلِ حقوقِ الإنسانِ، نحنُ ثورةٌ من أجلِ حقِّ تقريرِ المصيرِ بعيداً عن الترهيبِ وخشيةِ الذوبان. نحنُ ثورةٌ على التبعيّةِ والهيمنةِ، نحنُ ثورةٌ على الاحتلالِ والوصايةِ، نحنُ ثورةٌ على الجَهلِ والأمّيةِ، نحنُ ثورةٌ على البَطالةِ وضائقةِ العيشِ، نحنُ ثورةٌ على التهجيرِ والهجرةِ. نحنُ ثورةٌ من أجلِ مساعدةِ الشبابِ على تحقيقِ ذاتِهم في وطنهم. نحنُ ثورةٌ على التقليدِ والطائفيةِ، نحن ُثورةٌ لنمنع حصولَ ثوراتٍ أخرى، نحنُ هنا من أجلِ الوحدةِ والاستقرارِ والانسان، من اجلِ لبنـان.

سنة 1943 أعطتِ الدولةُ الاستقلالَ للشعب، سنة 2005 أعطى الشعبُ الاستقلالَ للدولةِ، وسنة 2011 سنعطي العدالةَ لشهدائِنا ونقدّمَ فعلَ المصالحةِ الوطنية على ردّةِ فعلِ الانتقام.

 

                                   عاش الشابات والشباب

                                     عاشت ثورة الأرز

                                    عــاش لبنــان