Back to Lectures

ضرورة الديمقراطيّة والحريّة والتعدديّة

2012-09-07

 

 

 

 

 

 

 

 

ضرورة الديمقراطيّة والحريّة والتعدديّة

أمين الجميّل

فخامة رئيس الجمهوريّة اللّبنانية السابق، 1982-1988

كلمة الرئيس في جلسة افتتاح المؤتمر حول

"الربيع العربي والسلام في الشرق الأوسط: الرؤيتان المسلمة والمسيحيّة"

بتنظيم

مركز الدراسات الإسلاميّة في المعهد الديني التركي

و

معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة مرمرة

إسطنبول، 7 أيلول/سبتمبر 2012

 

 

أصحاب المعالي، حضرات السيدات والسادة،

اسمحوا لي في البداية أن أشكركم وأعبّر عن اعتزازي بالمشاركة في هذا اللقاء الدولي الذي ترعاه الدولة التركية وهو في غاية الاهمية نظراً للظرف الدقيق الذي تمرّ به المنطقة ومعها العلاقات بين الطوائف والاديان.

ينعقد هذا المؤتمر في اللحظة المناسبة ليتطرّق إلى الأوضاع الراهنة على خلفية اهتزاز الانظمة الاستبدادية وبدء العدّ العكسي لانهيارها. هذا التوقيت يحمل آمالاً كبيرة للعرب تعقب الآلام الكبيرة، فهم يتنظرون بزوغ فجر التقدّم واعلاء الكرامة الإنسانية.

لكن ورغم كل الآمال، الا أنه يجدر بالشعب العربي البقاء في حال جاهزية، لأنّ العناصر المكونّة للنظم الديكتاتورية لا تزال موجودة وناشطة في العالم العربي. ان خطراً جديداً قد استجد وأضيف الى القوى الديكتاتورية القديمة، وهو يتمثل بظهور مصادر جديدة من الاستبداد من خلال تهديد الاصوليين المتطرفين بفرض أنظمة حكم ديكتاتورية جديدة في العالم العربي. انه الوجه الآخر للحكم الاستبدادي، والنسخة الاخرى، والخطر الآخر.

 

من هذا المنطلق، أرى لزاماً أن يركّز المؤتمر على مقاربة السؤال الكبير: "كيف نضمن نشر مبادئ الديمقراطيّة والحريّة والتعدديّة العابرة عالمنا العربي"؟

 

وحدها هذه العناصر الثلاثة، أي الديمقراطيّة والحريّة والتعدديّة، يمكنها إرساء السلام الحقيقي، أي السلام الراسخ في القلوب والأذهان والمجتمعات والأمم والأديان، من دون أن يعني ذلك السلام بين الديانات المختلفة فحسب، بل أيضاً وخصوصاً السلام بين مجتمعات متنوّعة، تجمعها الديانة نفسها.

 

ان مناقشة الرؤيتين المسلمة والمسيحية حول اليقظة العربية، وهذه تسمية أفضّلها على "الربيع العربي"، تقودنا الى النهل من الرؤى المطالبة بالتغيير الإيجابي والاصلاح والتحديث، وبينها تيارات اصلاحية في تركيا ومصر ولبنان وسائر الدول العربية.

 

أعود بالذاكرة إلى شهر أيلول/سبتمبر من العام 2011، حيث أعلن مضيفنا الكريم فخامة رئيس الوزراء التركي رجب طيّب أردوغان خلال كلمة مميّزة ألقاها في القاهرة،  وأقتبس منه: أن "الديمقراطية والحرية حقّان أساسيّان مثل الماء والخبز".

 

فالعمل الذي حقّقته تركيا الحديثة لإيجاد التوازن بين عناصر متباعدة نظرياً كان إنجازاً مذهلاً حيث جمعت بين دولة مدنيّة وبين دور رائد للدين. ومع بقائها وفيّة لحضارتها وتقاليدها القديمة، نجحت في اعتماد أفضل وجوه الحداثة وحافظت على موقعها كجسر حقيقي، بالمعنى المجازي والحرفي، بين الشرق والغرب.

 

كما تعززت مسألة السلام الديني بين المذاهب الاسلامية، من خلال الموقف الشجاع الذي اتّخذه جلالة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز الذي دعا الشهر الماضي إلى حوار شامل وموسّع بين المجتمعات المسلمة، يشارك فيه السنّة والشيعة والعلويّون وغيرهم.

 

كما انه من دواعي التفاؤل ان تكون السلطات الدينية والسياسية الرائدة قد تقبّلت الديمقراطية منذ نشأة اليقظة العربية. فالإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ جامع الأزهر الشريف في القاهرة أصدر في حزيران/يونيو من العام 2011 بياناً رائداً شدّد فيه على التوافق في الصميم بين الإسلام والديمقراطية.

 

ويشكل هذا المنتدى مناسبة جديدة لتأكيد الحال التوافقية بين الاديان على اختلافها وبين الديمقراطية كنظام حكم، وقد اجتمعت أهم السلطات الدينيّة والسياسيّة، المسلمة منها والمسيحية، للبحث المعمق في المسائل والقضايا المشتركة.

 

اسمحوا لي أيضاً أن أذكر الشرعة-الاطار التي كتبتها وأصدرتها في شهر كانون الثاني/يناير من العام الجاري في خلال مؤتمر عقد في لبنان. وتوصي الشرعة، الى جانب بنود أخرى، بدولة مدنيّة قويّة تقوم على الحرية والمساواة بين الرجل والمرأة في كلّ مجالات العيش، وعلى رفض التمييز ضد أي مجموعة على أساس ديني أو عنصري.

 

أصحاب المعالي، سيّداتي وسادتي، دعونا لا ننسى، ونحن نناقش معنى اليقظة العربية، أنّ الشرق منبع ديانات عظيمة غيّرت العالم.

 

كما من المفيد أن نتذكر أنّه منذ بدايات الحوار الديني قبل نحو ألف عام، بحث المسلمون والمسيحيّون عن تفاهم مشترك ومتبادل مبني على اكتشاف القيم التي تجمع بينهم. وقد بلغنا القرن الحادي والعشرين، ولم تكتمل هذه المهمّة بعد، وباتت مادة ملحة أكثر من أي وقت مضى.

ايها السادة

ينادي الإسلام والمسيحية بقيم ومبادئ مشتركة بينهما. ولا بدّ من اكتشاف هذه القيم  والمحافظة عليها في حال أردنا ترسيخ الديمقراطيّة والحريّة والتعدديّة في الشرق الأوسط.

 

وبغية تحقيق التعدديّة في الدين والسياسة، يجب على المسلمين والمسيحيّين في الشرق الأوسط تخطّي مرحلة ادارة الخلافات والتوصّل إلى حوار حقيقي وشركة حقيقية،  والى وحدة في الرؤية والهدف.

 

ان من شأن تحقيق المشاركة وتوحيد الهدف  في الشرق الأوسط بين المسلمين والمسيحيين، أن يقضيا على كلّ أشكال التطرّف، دينياً كان أم سياسياً. أمّا على الصعيد الخارجي، فتسمح المشاركة والوحدة بين مسيحيّي الشرق الأوسط ومسلميه بمواجهة موجة التفلت اللاأخلاقية التي تهدّد المجتمعَين على السواء.

 

سيداتي سادتي

 

استهلّيت مداخلتي هذه مشدّداً على دور الأمل في تاريخ العرب، واسمحوا لي الآن أن أعبّر عن أمنيتي بأن يكون اجتماع اليوم مثالاً عن الحوار الذي يخدم السلام يأفضل الطرق وأقصرها. ان الملايين من العرب يستيقظون من ليل طويل حالك من الديكتاتورية المستبدّة، وهم بأمسّ الحاجة إلى بصيص نور يقدّمه الحوار والسلام.

 

ايها السادة

كرئيس سابق للبنان، لا شكّ في أنّني أؤمن بأنّ وطني وتركيا تجمعهما مهمّة نبيلة تجعل منهما منارة للتسامح الديني والديمقراطية السياسية، ليس للعرب فحسب، وليس للشرق الأوسط فحسب، بل للعالم أجمع.

 

ولكم جزيل الشكر.