Back to News
الرئيس الجميّل في الذكرى ال95 لاعلان لبنان الكبير: لبناء الإستقلال ورفع سياجه بانتخاب رئيس للجمهورية

الرئيس الجميّل في الذكرى ال95 لاعلان لبنان الكبير: لبناء الإستقلال ورفع سياجه بانتخاب رئيس للجمهورية

أيلول 02, 2015
الرئيس الجميّل في الذكرى ال95 لاعلان لبنان الكبير: لبناء الإستقلال ورفع سياجه بانتخاب رئيس للجمهورية

 


دعا الرئيس أمين الجميّل الى بناء الإستقلال ورفع سياجه بانتخاب رئيس للجمهورية، ومنع كل من تسول له نفسه التوجه بعيون مفتوحة الى إلغاء الرئاسة. وقال:"ما أحوجنا الى اعادة النصاب المفقود الى نظامنا السياسي، ما أحوجنا لالتزام مرجعية الدولة والدستور، وانتظام عمل المؤسسات المعطلة بالخيار لا بالاضطرار، واستعادة لبنان بهاء سيادته الكاملة، ورونق وحدته وعيشه الواحد، وكمال أمنه واستقراره، واكتمال نهضته الاقتصادية والانمائية. كلام الرئيس الجميّل جاء خلال احتفال في الذكرى 95 لإعلان دولة لبنان الكبيرالذي دعت اليه اللجنة الوطنية لاحياء ذكرى اعلان دولة لبنان الكبير" في متحف الامير فيصل مجيد ارسلان في عاليه، برعاية البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي ممثلا بالنائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم، في حضور الرئيسين الجميل وميشال سليمان، الدكتور داود الصايغ ممثلا الرئيس سعد الحريري، رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط ممثلا بأمين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر على رأس وفد، النواب: فؤاد السعد، هنري حلو، ورياض رحال، بيار بعقليني ممثلا النائب سليمان فرنجيه، الوزير السابق ميشال اده، النائب السابق فيصل الداوود، الرائد فيصل ابو ابراهيم ممثلا المدير العام لقوى الامن الداخلي، العقيد كمال صفا ممثلا المدير العام للأمن العام، النقيب رواد المهتار ممثلا المدير العام لأمن الدولة، رئيس مكتب امن عاليه العقيد جوزف غنطوس، مستشار وزير الطاقة سيزار ابي خليل، قائمقام عاليه بدر زيدان، رئيس بلدية عاليه وجدي مراد، حياة ارسلان وعادل فيصل ارسلان، ممثلي "مؤسسة العرفان" التوحيدية الشيخين حمزة كوكاش وراجح عبد الخالق، رؤساء بلديات ومخاتير وممثلي جمعيات اهلية ومجتمع مدني وحشد من الحضور.

الجميل
بعد النشيد الوطني وتعريف من الزميل سعد الياس، ألقى الرئيس الجميل كلمة جاء فيها:
"عزيزة هي هذه المناسبة التي شاءتها الأميرة حياة ارسلان، البالغة الحرص على الكيان، والمهمومة أبدا بلبنان، فرصة لإثبات الذات اللبنانية، هوية وانتماء.
ومشرفة رعاية البطريرك الماروني الذي نستذكر من خلال عصاه الرعوية مواقف البطاركة الكبار الذين خطوا بقلمهم استقلال لبنان الكبير.
أنا هنا من أجل أن تبقى الذكرى حافزا في هذا الزمن المليء بالقلق على المستقبل، بل على الوجود والمصير.
أنا هنا لأشهد أن لبنان الكبير صناعة لبنانية، إرادة لبنانية هو، إيمان لبناني رغم كل الاغراءات التي بعضها تشريق وبعضها تغريب،
لا المسلمون كانوا كلهم فيصليين، ولا المسيحيون كانوا كلهم فرنجة.
أقول هذا الكلام وقد عشت مفرداته ويومياته مع الوالد الشيخ بيار الجميل الذي عايش هذه المرحلة، مؤمنا بلبنان الواحد، لبنان الشراكة بين أهله وطوائفه ومذاهبه.
وقصتنا ولبنان لم تبدأ مع الاحتلال السوري، ولا مع الهيمنة الفلسطينية، ولا مع الانتداب الفرنسي، بل مع الحكم العثماني، أو ما عرف بالنير العثماني، فكان جدي الدكتور أمين وشقيقه الشيخ يوسف الجميل ضحايا النفي الى مصر مع أفراد عائلتيهما.
لاحقهما العثمانيون لنضالهما، لمقاومتهما، للبنانيتهما.
ولم ينته النضال بزوال الاحتلال السوري.
قصتنا ولبنان حساب مفتوح، دفتر يومي. فاللبنانيون لا يرضون لبنان وطنا يعيش بالصدفة، بل وطن أرز ورسالة وثورة استقلال، وطن لجميع أبنائه، ودولة قادرة بديموقراطيتها وحرياتها.
هكذا كان نضال الشيخ يوسف الجميل ملتقيا الامير توفيق أرسلان خلال الوفد البطريركي الى باريس، لإعلان لبنان الكبير.
وهكذا استمر نضال بيار الجميل متوافقا والامير مجيد ارسلان وسائر رجالات الاستقلال ضد الانتداب الفرنسي.
فكان السجن لبيار الجميل في بيروت، والحصار لمجيد ارسلان في بشامون، وكان الاستقلال.
استقلال استحقه اللبنانيون من دون منة بعد 23 عاما على استرجاع لبنان حدوده الدولية.
ان عشية الاول من ايلول من العام 1920 كانت بمثابة "اليوم السعيد" كما سماه المطران عبدالله الخوري الذي ترأس الوفد الثالث الى مؤتمر فرساي، بعدما استدعى البطريرك الياس الحويك الشيخ يوسف الجميل من منفاه في مصر لينضم الى الوفد اللبناني الثالث الى مؤتمر الصلح، الى جانب الرئيس اميل اده، والرئيس كامل الاسعد، والفرد موسى سرسق، والامير توفيق ارسلان.
نعم، توحدت الارادتان، المسيحية الممتنعة عن التغريب، والاسلامية الممتنعة عن التعريب، فكان لبنان الكبير، هذا المشروع الوطني الذي صمد في وجه محاولات تجفيفه وتجويفه، وقاوم كل محاولات التخريب والرماية عليه وتسجيل إصابات مميتة أحيانا، كما حصل خلال الحرب اللبنانية الطويلة، ومسبباتها الخارجية، ومضاعفاتها ومطامعها بشتى أنواعها ومشاربها وهوياتها، والتي لميبق كبير أو صغير في المنطقة وفي العالم الا وجرب لبنان ممرا أو مقرا، فكان لبنان أقوى من كل المحاولات.
أقوى من المشاريع الاحتوائية.
أقوى من المشاريع الإلحاقية.
أقوى من المشاريع الإلغائية.
فلا فرنسا أغرته وصادرته،
ولا الهلال الخصيب ابتلعه،
ولا القمر الخصيب استهواه،
ولا سوريا الكبرى استمالته،
ولا اسرائيل الكبرى قسمته.
هذا هو لبنان التاريخي بحدوده التاريخية من ايام عهود الإمارة، ومن الامتداد الفينيقي القديم.
لا نريد تكبيره على حساب أحد، ولا نرضى تصغيره لحساب أحد.
لا وحدة مع العرب المقسمين،
ولا تقسيم للبنانيين الموحدين.
لا المسلمون كانوا اقلية في لبنان في العام 1920، ولا المسيحيون باتوا اقلية في العام 2015،
فلنتفق ان اللبنانيين هم أكثرية في بلدهم، فلا العدادات تفرزهم، ولا السياسات تفرقهم، ولا الاصطفافات مع الخارج تلغي وجودهم في الداخل.
ان لبنان ليس وجهة نظر، وليس خطأ تاريخيا،
فالدول العظمى لم تعترف يوما للباب العالي بحق السيادة على لبنان، وكان اللبنانيون بارادتهم يبايعون أمراءهم ويختارون حكامهم.
كما أن دولة لبنان الكبير نشأت قبل استقلال سوريا عام (1946)، وقبل دولة إسرائيل عام (1948). وهذه الأقدمية التاريخية، ومكانة لبنان الحضارية والثقافية، وحضانته العيش الواحد، جعلته سوء تفاهم مفتعلا في الجغرافيا والديموغرافيا، وهدفا لمرمى الحساد وصيدا ثمينا للطامعين، قريبين وأبعدين، فحاولوا النيل منه بشتى الوسائل والأعذار، استضعفوا تنوعه، واستفردوا مكوناته، فرد بوحدته، وكان أقوى منهم منفردين ومتحدين. صمد لبنان وبقي اللبنانيون على وحدتهم وإيمانهم الوطني.
ان القرار 318 الذي استرجع الاقضية الاربعة: بعلبك، وراشيا، وحاصبيا، والبقاع الغربي، والمكتوب بخط اليد من ثمانية أسطر، ليس له أي مفعول إنشائي لدولة لبنان الكبير، بل اقتصر على المفعول الاعلاني ليس الا.
فالمذكرة الوطنية التي قدمها الوفد اللبناني تضمنت أربعة مطالب هي: الإعتراف باستقلال لبنان، إعادة لبنان إلى حدوده التاريخية والطبيعية، اي استعادة المناطق التي سلختها السلطنة العثمانية عن لبنان، والعقوبات على السلطنة، والتعويضات للبنان.
وتحرير لبنان عام 2005 لم يحصل بتجاوب الخارج فقط، بل بإرادة الداخل وفعله. بدم الشهداء وبدمع الامهات.
وفي خطابه التاريخي في كرسي الديمان في حضور الجنرال غورو في كانون الاول 1920 قال البطريرك الياس الحويك:
"إن استقلالنا لا يقبل الجدل، ولبنان مستقل تماما عن كل حكومة مجاورة. فإذا جاءك، والحديث موجه الى غورو، قوم مفسدون وقالوا إن اللبنانيين قد رجعوا عن رأيهم فلا تصدق ما يقولون. أنا أنطق بلسان اللبنانيين عن بكرة أبيهم. فأقول لك إن اللبنانيين لأشد تشبثا اليوم بالاستقلال منهم في أي زمن مضى...فلبنان لم يرضخ يوما لحكم أجنبي".
ما أحوجنا اليوم الى مثل هذه الحالة الجامعة التي تستظل دولة واحدة، وسلطة واحدة، من دون مفسدين يغردون خارج المدى اللبناني.
ما أحوجنا الى الرئيس المفقود أو المغيب القادر أن يتحدث عن جميع اللبنانيين عن بكرة أبيهم، على حد تعبير البطريرك.
ما أحوجنا أن نستذكر مشهد إعلان دولة لبنان الكبير وقد ضم في قصر الصنوبر المفوض السامي الجنرال هنري غورو، وإلى يمينه البطريرك الياس الحويك، وإلى يساره مفتي بيروت الشيخ مصطفى نجا، في وفاق داخلي فرض احترامه على الخارج. وبعدما تحرر الوطن من المفوضية السامية، وقبلها من الباب العالي، وبعدها من سلطة السفراء في إحدى الحقبات، ومن الوطن البديل في السبعينات، ومن الوصاية السورية خلال كل المرحلة الأخيرة، هل المطلوب اليوم ايقاظ الخلايا النائمة واستجرار الاحتلالات او الوصايات من جديد من خلال الاصطفافات المستجدة؟
فلنعتبر ولنبن استقلالنا، ولنرفع سياجه بانتخاب رئيس للجمهورية، ولنمنع كل من تسول له نفسه التوجه بعيون مفتوحة الى إلغاء الرئاسة.
ما أحوجنا الى اعادة النصاب المفقود الى نظامنا السياسي،
ما أحوجنا لاتزام مرجعية الدولة والدستور، فنقصر التنفيذ على أوامرهما من دون أي أمرة أخرى.
ما أحوجنا الى انتظام عمل المؤسسات المعطلة بالخيار لا بالاضطرار.
ما أحوجنا الى ستعادة لبنان بهاء سيادته الكاملة، ورونق وحدته وعيشه الواحد، وكمال أمنه واستقراره، واكتمال نهضته الاقتصادية والانمائية.
ما أحوجنا للاحتكام الى دولة قادرة على مواجهة نموّ بذور الارهاب والتطرف التي تجتاح المنطقة، وتضرب كياناتها السياسيّة ومعادلتها الديموغرافية، وحضارتها التاريخية.
ما أحوجنا الى الحفاظ على الأغليين: سيادة لبنان وديموقراطيته.
ما أحوجنا الى ارادة واحدة وقرار لبناني واحد على غرار مرحلة اعلان دولة لبنان الكبير. فلا اتفاق فيصل الاول مع كليمنصو في 6/1/1920 القاضي برفض استقلال لبنان عن سوريا، أحبط جهود الوفد اللبناني، ولا رغبة فرنسا في إبقاء بيروت مدينة حرة على غرار طنجة المغربية جعلت الوفد يرضخ اضطراريا.
ان البقاع وبعلبك وحاصبيا وراشيا هي بأهمية بيروت وجبل لبنان،
ان الاطراف هم قلب لبنان، ومن الجريمة ألا نتذكر عكار الا عند الحاجة.
كم يؤسفني أن تكون وصية الجنرال غورو في احتفال اعلان دولة لبنان الكبير في قصر الصنوبر لا تزال صالحة المفعول. قال "ان لبنان الكبير تألف لفائدة الجميع ولم يؤلف ليكون ضد احد". وأوصى اللبنانيين ب"الاتحاد الذي هو مصدر قوتهم"، محذرا من "الخصومات العرقية والمذهبية".
لكن رغم كل شيء، لبنان باق بحدوده التاريخية والدولية التي أعلنت ذات يوم قبل خمسة وتسعين عاما.
لبنان باق أرض تلاقي وحوار وإلفة وحرية،
لبنان باقٍ أرض حضارة ورسالة،
فلنحافظ عليه من أجل الاجيال العتيدة، ومن أجل الانسان".

اده
وقال اده في كلمته: "لست أملك، ونحن في هذا البيت العريق، إلا أن أحيي مبادرة أصحابه الحميدة الى أن يكون متحفا. أي حافظا لمعالم وشواهد من ذاكرة لبنان وتاريخنا اللبناني الحديث. وقد وجدت لزاما علي، ومن موقع الوفاء لذاكرتنا ولتاريخنا بالذات، أن أعيد الاعتبار الى الحقيقة في ما ذهبت إليه "اللجنة الوطنية" الداعية الى إحياء الذكرى الخامسة والتسعين لإعلان دولة لبنان، إنما متمسكة بعبارة "دولة لبنان الكبير". وهذا، كما لو أن هناك، قبل هذا الإعلان، لبنان آخر صغيرا، فجاء الإعلان عام 1920 ليكبره.
لا أخفيكم أنني سارعت الى الاعتذار عن المشاركة باحتفالنا هذا، في ظل ذلك العنوان. إذ يصعب علي أن أجافي الوقائع. أجل، يصعب علي أن أتحامل على التاريخ. بل وجدت في تلك التسمية (لبنان الكبير) محض هرطقة كاملة الأوصاف. ولم أتراجع عن اعتذاري هذا إلا على أساس أن تكون مشاركتي سبيلا لإيضاح الحقيقة ودحضا لتلك الهرطقة، وهذا، حتى لو التقى من بين القائلين بها والمروجين لها بعض من لبنانيين، أو من سوريين، أو من فرنسيين، أو سواهم".
واضاف: "أما برهاني الأساسي، في هذا الصدد، فهو "خارطة لبنان" التي أعدتها وسمتها كذلك "مفرزة الطوبوغرافيا" "brigade topographique" ضمن البعثة الفرنسية في العامين 1860 و1861 وتحديدا عقب الأحداث الدامية في 1860. وكانت هذه البعثة بقيادة الجنرال بلونديل في أيام وزير الحربية الفرنسي آنذاك، المارشال كونت راندون.
هذه الخارطة التي عنوانها الأبرز "خارطة لبنان" تظهر إحصاء يحدد عدد سكان كل قضاء من أقضية لبنان القائمة جمعيها حتى يومنا هذا، وتوزعهم بحسب الطائفة والمذهب وعدد السكان. وهي لا تزال تحمل الأسماء نفسها كذلك: عكار، الضنية، مدينة طرابلس، الزاوية، الكورة العليا، الكورة الدنيا، بشري، البترون، جبيل، الفتوح، كسروان، المتن، زحلة، السهل، مدينة بيروت، الغرب، المناصف، الشحار، الجرد، العرقوب، الشوف، جزين، الريحان، الخروب، التفاح، مدينة صيدا، الشقيف، بشارة، مرجعيون، الحولة، حاصبيا، راشيا، البقاع، بعلبك.
وتجدر الإشارة الى أن عملية التعداد السكاني كانت حينها بالغة السهولة. لماذا؟ لأن الهجرة لم تكن قد بدأت إلا بعد مرور سنوات على أحداث 1860 ؛ وما كان سكان المناطق آنذاك يتنقلون من قضاء الى قضاء، ولا من مدينة الى أخرى، أو الى الخارج. أو ليست أقضيتنا اللبنانية اليوم هي صورة طبق الأصل عن أقضية العام 1860 وما قبله، باستثناء قضاء الحولة الذي بيعت أراضيه في مطلع القرن العشرين؟
وبما أن هذه الأقضية المذكورة، وأخرى غيرها، لم تكن ضمن جبل لبنان، لم يصر الى تعداد سكانها".

وتابع: "عقب أحداث 1860 الدامية، قررت الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا، إقامة نظام خاص سمي "نظام المتصرفية"، بهدف حماية غالبية المسيحيين، والموارنة تحديدا. فتم فصل بيروت، وقسم من الشمال، وقسم من البقاع، وقسم من الجنوب عن جبل لبنان، علما أن المناطق التي فصلت كانت تضم عددا لا يستهان به من المسيحيين، والموارنة تحديدا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان قضاء عكار يضم 10 آلاف مسيحي، منهم 5 آلاف ماروني، في مقابل 2500 مسلم سني. وبيروت المدينة كانت تضم 27 ألف مسيحي، منهم 10 آلاف ماروني، في مقابل 18 ألف مسلم سني، من دون وجود للشيعة فيها آنذاك.
وقضاء بعلبك كان يضم 12 ألف مسيحي، منهم 6 آلاف ماروني في مقابل 8 آلاف شيعي و1200 سني.
في هذا السياق، يجدر الانتباه اللازم الى أن عدد الموارنة الذي كان بلغ عام 1860 208 آلاف في كل مناطق لبنان، أصبح عام 1906، أي ضمن نطاق المتصرفية وحدها، 241,826 نسمة. أما بعد مجاعة العام 1915، والتي أودت بحياة ما يقارب 40 في المئة من الموارنة، ثم مع بداية الهجرة، فقد تراجع عدد الموارنة في كل لبنان في العام 1922 ليصبح 199,182 نسمة فقط".
وقال: "هذه الوقائع هي التي حملت الرئيس الراحل إميل إده، في محادثات فرساي قرب باريس في فرنسا في العام 1920، على المطالبة، تعويضا عن ذلك التراجع الفادح بالعدد، بضم منطقة "وادي النصارى" في سوريا الى لبنان، علما أن مسيحييها من الطائفة الأرثوذكسية. لكن الرئيس الفرنسي كليمنصو رفض ذلك لأن هذه المنطقة سورية. فقال : "تأخذون بكل الأقضية اللبنانية في خارطة لبنان، بما في ذلك الأقضية التي كانت قد سلخت عن المتصرفية".
تلك هي حقيقة ما جرى عام 1920 عندما حمل الرئيس الراحل إميل إده معه الى فرساي "خارطة لبنان" إياها التي وضعتها البعثة الفرنسية عامي 1860 - 1861. وهي التي أبرزها أمامكم، وكانت عندنا في بيت جدي. إنها نفسها التي أعدتها البعثة الفرنسية، كما بينت سابقا، على أساس حقيقة كيان لبنان. الخارطة التي لا ذكر فيها للبنان صغير ولا للبنان كبير. بل هي، كما هي، خارطة لبنان الأصلية. هكذا، تم تثبيت خارطة لبنان في العام 1920 بكل أقضيته نفسها التي كانت موجودة ضمن جغرافية لبنان الأصلية، ما عدا الحولة".
واضاف: "لم يكن إذا نظام المتصرفية سوى تدبير مرحلي موقت. فلا يجوز إطلاقا اعتبار هذه الخارطة المتصرفية وكأنها هي "لبنان الصغير"، ولا "غير الصغير". لقد تساقط هذا النظام أصلا، مع خروج لبنان من النير العثماني التتريكي في نهاية الحرب العالمية الأولى، ودخوله في ظل الانتداب الفرنسي، وبعده الاستقلال عام 1943.
أجل، هذا ما تم تثبيته. وبناء عليه، لم يؤخذ مطلقا فيما بعد برغبة بعض من اللبنانيين الميالين للانضمام الى سوريا، ولا برغبة القائلين بسوريا الكبرى، ولا برغبة بعض من السوريين القائلين بإلحاق لبنان بسوريا، أو الذين ادعوا أن لبنان لم يكن أصلا دولة لها جغرافيتها المحددة، بل محض جغرافية اصطنعها اصطناعا اتفاق
سايكس - بيكو ليس إلا".
وتابع: "كل هذا الذي أشرت إليه باختصار إنما يعني حقيقة واحدة : لم يتم في 1920 سوى تثبيت دولة لبنان الأصلي، بجغرافيته الثابتة الدائمة. لم يوجد إلا لبنان واحد: لا لبنان صغير ولا لبنان كبير.
إنه لبنان الذي أصر البطريرك الحويك على جغرافيته الكاملة وعلى إبقاء جميع أقضيته مكونا أصيلا من هذه الجغرافيا، على رغم معرفته ودرايته أن غالبية سكان هذه الأقضية ليست مارونية ولا مسيحية. كان هاجسه الحرص الدائم على صيغة لبنان الذي انفطر على التنوع الديني والعيش المشترك. وهو هو الحرص نفسه الذي أبداه البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، أطال الله بعمره، عندما أجاز قيام اتفاق الطائف على أساس احترام المناصفة بين مسيحيي لبنان ومسلميه، بغض النظر عن العدد.
هذا اللبنان الأصلي، بهذه الصيغة الفريدة، ومنذ قيام دولته الحديثة، شكل بحقيقته المجتمعية هذه نقيضا دائما لأحادية إسرائيل الدينية، الإتنية العنصرية، ورفض مواطنوه قبل قيام إسرائيل نفسها أن يكون لبنان "وطنا قوميا مسيحيا" لتبرير إقامة "وطن قومي يهودي" محل فلسطين المتنوعة دينيا.
وختم: "هذه الوقائع والوثائق التي استندت إليها هي ما دفعني للمشاركة في هذا اللقاء، تبيانا لحقيقة لبنان الأصلي الدائم.

ارسلان
وألقت ارسلان كلمة قالت فيها: "لبنان الكبير يبقى كبيرا عندما يكون ولاء اللبنانيين له وحده لا شريك له.
لبنان الكبير يكون كبيراعندما نؤمن أنه رسالة عيش نبثها للأقربين والأبعدين معا
لبنان الكبير يزداد كبرا عندما نؤمن أنه قيمة حضارية لاتحدها مساحات جغرافية ولا تسجنها حسابات إقليمية .

لبنان الكبير يكبر بنا عندما نعتمده منطلقا لريادتنا لا ساحة يحدد الآخرون دورها
عندما نحترم الشرعية ونحفظ مؤسساتنا الدستورية وننتخب رئيسا للجمهورية ومجلسا نيابيا يمثل إرادة الشعب يكون لبنان كبيرا".
واضافت: "نعترف بأن ولاء اللبنانين اليوم هو للطائفة وللمذهب وللشخص بدل الولاء للوطن، ونعترف بأنها آفة لا يمكن التخلص منها إلا ببناء دولة القانون والمؤسسات. سيادة القانون والمساواة أمام القانون تطمئن المواطن الى انه محمي وأن حقوقه مصونة من دون أن يتوسل العدالة بالوقوف على باب زعيم أو رئيس عشيرة. أليس مؤلما أن تكون الواسطة رصيد يسعى اللبناني جاهدا للحصول عليه؟
فلنواجه الحقيقة "يكتمل الولاء للوطن عندما يؤخذ الحق من الوطن".
وتابعت: "أما اعتماد لبنان دورا فهو حتما يلغي استخدامه ساحة عندما تدعو الحاجة الى الكباش. يليق بلبنان أن يكون سباقا مقداما تماما كطبيعة أبنائه التي لم يطوعها زمن النكبات المتتالية.
أما لبنان الرسالة رسالة الإنفتاح والتسامح فهي مطلوبة في كل الأزمنة وفي زمن التطرف البغيض تصبح حاجة. هذه الرسالة نترجمها بتماسكنا باجتماعنا حول قضايا وليس حول طوائف ومذاهب .
رسالة بهذا السمو يجب أن تحتل موقعها بين الأمم الراقية أمانة للتاريخ والإنسانية.
أما لبنان القيمة الذي يتجاوز المساحة الجغرافية للبنان الكبير فهو من صنع أبنائه وبناته حكماء ومتنورين ومن كل عائلاته الروحية الذين اجتمعوا منذ 95 عاما وأجمعوا أن لبنانهم كبير بالتاريخ قبل الجغرافيا. ندرج أسماء العائلات هنا لنقول إن الإنجازات التي ترصع تاريخنا خالدة بأحداثها وبأبطالها على السواء.
أما احترام الشرعية والمؤسسات فغدا امتحان آخر نأمل ألا يكون موعد الخيبة الثامنة والعشرين. نحن نريده موعدا لبداية الإنقاذ، نريده موعدا يفتح أبواب الأمل".
وقالت: "أخاطب الرئيس نبيه بري لأقول البارحة شكوت الطبقة السياسية التي صدت كل الإصلاحات التي طرحت، واستطردت لتقترح طاولة حوارمن جديد. الأجدر، يا دولة الرئيس، أن تفك عقدة الإنتخاب وتعتمد المادة الدستورية التي تنص على النصف زائدا واحدا على اعتبار الدورة الأولى قد حصلت وليكن كائنا من كان الرئيس الذي سينتخب. لتسجل اسمك في خانة المنقذين لأن العكس مهين لا يليق بكم".

واضافت: "أقول للمتظاهرين الذين ملأوا الساحات: إن التظاهر مبارك، والغضب الشعبي مطلوب إذ الظلم في حق الوطن فاق كل تصور، لنركز ونحدد مطالبنا فنحن أمام كارثة اجتماعية - وطنية تتمثل بالنفايات وكارثة سياسية وطنية تتمثل بالشغور الرئاسي. لا يضيعنا أحد بالشعارات المتضاربة. نريد حلا لكارثة النفايات ونريد رئيسا للجمهورية. فلنبق في الساحات حتى تحقيق هذين المطلبين.
وختمت: "لا لضياع القضية، لا لسلب المجتمع المدني نضالاته، نعم للتكاتف، نعم للبنان كبير بشعبه وبنظامه الديموقراطي".

كلمة الراعي
والقى المطران مظلوم كلمة البطريرك الراعي فقال: "شرفني صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي بطريرك انطاكية وسائر المشرق الكلي الطوبى، اذ كلفني ان امثله في هذا الاحتفال الذي تنظمه اللجنة الوطنية لاحياء ذكرى اعلان دولة لبنان الكبير، وان انقل اليكم تحياته وبركته الابوية، وشكره الخاص للجنة المنظمة وعلى رأسها حضرة الاميرة حياة وهاب ارسلان، المعروفة بروحها الوطنية العالية، وبتمسكها بجذور هذه العائلة العريقة التي أدت وما زالت تؤدي دورا كبيرا في تاريخ هذا الوطن، وبنشاطها في سبيل الحفاظ على لبنان وتقدمه وازدهاره وبقائه وطن الحرية والديموقراطية والعيش الواحد الكريم، وطن الرسالة ووطن الانسان.
ويسعدني ان يكون هذا الاحتفال في هذا القصر العريق، قصر الامير توفيق ارسلان الذي شارك في البعثة الثالثة التي انتدبها البطريرك الياس الحويك الى مؤتمر الصلح في باريس عام 1920 للمطالبة باقرار لبنان الكبير بحدوده الحالية، وترفرف في ارجاء هذا القصر روح الامير مجيد ارسلان ، رجل الاستقلال الذي وقف بكل شجاعة في وجه العسكر الفرنسي، وشارك في تنظيم المقاومة والمطالبة باخلاء سبيل ابطال الاستقلال المحتجزين في قلعة راشيا وبمنح لبنان استقلاله الكامل والناجز، وقد شارك في معظم حكومات عهود الاستقلال الاولى، وكان رمز المروءة والشهامة والوفاء لهذا الوطن الذي احبه فوق كل شيء، ويجمع هذا القصر المتحف كل ذكريات الامير فيصل مجيد ارسلان، رجل القلب الكبير والمسالم الذي عمل طوال حياته على نشر الالفة والمحبة بين جميع اللبنانيين، والحفاظ على التراث الوطني لهذه العائلة الكريمة.
واضاف: "يوم اول شباط عام 1920 كتب المطران عبدالله خوري في مفكرته: "برحنا هذا الصباح بكركي، بأمر غبطة السيد البطريرك، قاصدين الذهاب للانابة عنه، بوصفه معتمد البلاد، ومعنا خط منه يعين ارسالنا الى مؤتمر السلام في باريس، وسبب ذلك انه لدى عودة غبطته من المؤتمر، ومعه كتابة (جورج) كلمينصو عاد الامير فيصل يصرخ ان "لبنان لا تتوسع حدوده انما يستقل عن سوريا"، ولذلك قلقت الافكار، وامرنا غبطته بالذهاب نيابة عنه ومعنا الشيخ يوسف الجميل واميل اده والمير توفيق ارسلان".
وفي 21 شباط، قدموا الى وزارة الخارجية مذكرة تختصر مطالب اللبنانيين، نكتفي بترجمة مقدمتها.
"للمرة الثالثة يرسل لبنان وفدا الى باريس كي يطلب التثبيت النهائي لمطالبه المحقة، وهي :
1 - استقلال لبنان.
2 - اعادة حدوده التاريخية والطبيعية لا غنى عنها لتثبيت وجوده.
3 - تعاون فرنسا صديقته التاريخية.
وفي اول ايلول 1920 اعلن الجنرال غورو من على درج قصر الصنوبر ولادة دولة لبنان الكبير".
وتابع: "جميل ان تتذكر الشعوب تاريخها وان تكرم الرجالات الذين ساهموا في بناء هذا التاريخ، لا للتمسك بالماضي والتوق النوستلجي اليه، بل لاخذ العبر والتشبه بالكبار الذين عرفوا ان يجاهدوا في سبيل بناء وطنهم ويضحوا بمصالحهم الخاصة في سبيل المصلحة العامة والخير العام، ويكونوا على مستوى المسؤوليات التي يطمحون الى تحملها".
وقال: "لقد سرت في بدايات الحرب المشؤومة التي حلت بلبنان، وفي بعض الاوساط المسيحية، ولا سيما المارونية منها مقولة تلوم البطريرك الياس الحويك على سعيه في سبيل انشاء لبنان الكبير، وتمسكه بالمطالبة باسترجاع المناطق التي كانت الامبراطورية العثمانية قد سلختها عن الجبل، وابقت ما سمي بلبنان الصغير، وفي جلسة مع بعض الشبان المتحمسين لحمل السلاح والالتحاق بالمليليشيات، قال بعضهم: "لقد اخطأ البطريرك الحويك في انشائه لبنان الكبير فما لنا ولتلك المناطق التي الحقها بالجبل، ويا ليتنا بقينا في لبنان الصغير"، لم استطع ان اتمالك نفسي عن الجواب،
فقلت: "كلا لم يخطئ البطريرك الحويك في انشاء لبنان الكبير لكنه ظن ان اللبنانيين ولا سيما ابناءه الموارنة سيكونون كبارا على مقدار لبنان الكبير ويحافظون عليه، لكنهم بقوا صغارا ولم يرتقوا الى مستوى المسؤولية".
وسأل: ترى هل كنت مخطئا في جوابي، او قاسيا في حكمي؟ انا لا اريد ان اعمم الاحكام فقد عرف لبنان، في تاريخه الحديث، بعض رجال دولة كبارا عملوا باخلاص وتجرد وتركوا بصماتهم في مؤسسات الدولة والمجتمع".

واضاف: "لكن اذا ما نظرنا الى ما يجري حولنا وعندنا اليوم فما هي نتيجة 95 عاما من عمر لبنان الكبير؟ أي دولة بنينا وأي مجتمع ربينا؟ المؤسسات الدستورية الاساسية اين اصبحت؟ شغور في رئاسة الجمهورية منذ 15 شهرا، مجلس نيابي شبه مشلول وقد مدد ولايته مرتين وهناك شكوك في شرعيته، حكومة مكبلة لم تستطع ان توفر أبسط حاجات المواطنين من مياه وكهرباء ومعالجة شؤون البيئة والصحة والنظافة؟ ادارة عامة مترهلة وينخرها الفساد والرشوة على كل المستويات السمسرات والصفقات ونهب المال العام اصبح مباحا وما من احد يحاسب احدا، وقد امتد الفساد الى المجتمع، وانهارت الاخلاق الخاصة والعامة، ولم يعد هناك من عيب او حياء الا ما ندر، الامن مضطرب والحدود مهددة بالرغم من بطولات الجيش وتضحيات سائر القوى الامنية، ازمة اقتصادية خانقة اوصلت الدين العام الى ما يفوق السبعين مليار دولار اميركي ودفعت اكثر من نصف شباب لبنان الى الهجرة. ترى أهذا هو لبنان الكبير الذي حلم به آباؤنا واجدادنا ووضع البطريرك الحويك كل ثقله التاريخي وارث الكنيسة الروحي والاخلاقي والثقافي والاجتماعي في الميزان كي يرجح كفته؟".
وختم: "انا لست متشائما بطبعي ولم امتهن يوما "فضيلة النق"، لكن كان لا بد، ونحن نحتفل اليوم بمرور 95 عاما على اعلان دولة لبنان الكبير، من طرح بعض اسئلة بمثابة فحص ضمير لنا جميعا علنا نعي خطورة الوضع الذي وصلنا اليه وضرورة العمل معا على وقف انهيار الوطن بكل مقوماته، فلبنان الكبير ليس كبيرا بمساحته ولا بعد سكانه ولا بقوته العسكرية انه كبير بأخلاق شعبه، كبير برسالته التي هي رسالة المحبة والالفة والعيش المشترك، رسالة التضامن والتعاضد بين كل فئات الشعب، رسالة احترام حقوق الانسان والعمل على ترقي المجتمع والانسان كل انسان وكل الانسان، على حد قول البابا بولس السادس "لأن الترقي هو الاسم الجديد للسلام"، انها دعوة ملحة الى جميع اللبنانيين كي يعملوا معا على استعادة لبنان الى جوهره ورسالته، على المصالحة ورص الصفوف وتوحيد الكلمة علهم يستقبلون الذكرى المئوية للبنان الكبير، ودولته قد اصبحت دولة حقة".